ظهران الجنوب .. مدينة التاريخ والآثار القديمة
تطفو محافظة ظهران الجنوب الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة "140 كلم جنوب مدينة أبها" على كنوز أثرية ذات قيمة تاريخية وعلمية تدل بما لا يدع للشك أن لهذه المدينة الحالمة ماضيا عريقا ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وتاريخ معظمها يعود إلى ما قبل الإسلام. وكانت ظهران الجنوب، التي تتبع إداريا منطقة عسير، ممرا لطرق التجارة البرية العالمية القديمة بسبب مواردها الطبيعية وموقعها المتميز، الذي جعل منها إحدى المحطات الأساسية على طريق التجارة البرية العالمية القديمة، قبل وبعد الميلاد، بل كانت أشبه ما يكون بالواحة والاستراحة ترتادها قوافل التجار والمسافرين للاستراحة والتزود بمياهها وخيراتها وتبادل السلع وعقد الصفقات. وهذه القوافل، سواء كانت قادمة من شمالي الجزيرة العربية أو متجهة نحو الجنوب، محملة ببضائع حوض البحر المتوسط وأوروبا، وقوافل جنوب الجزيرة العربية المتجهة نحو الشام والعراق محملة بالتوابل والعطور والبخور.
ويلفت نظر الزائر إلى هذه المحافظة آثار النقوش والرسوم وصور الجمال والقوافل العابرة والكتابات السبئية والثمودية التي تحكي فصلا من تاريخ التجارة العالمية القديمة، فقد كانت قريش تسلك هذا الطريق بقوافلها في رحلة الشتاء إلى اليمن، كما أن مسجد الصحابي الجليل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الثويلة، ومسجد خالد بن الوليد - رضي الله عنه - جنوبي المدينة، من أشهر المعالم الأثرية في ظهران الجنوب. ولعل أشهر المواقع الأثرية في ظهران الجنوب، التي ما زالت معالمها موجودة حتى الآن، آثار طريق الفيل، وهو الطريق الذي سلكه أبرهة الأشرم حينما حشد جيشا في رحلته المشؤومة لهدم الكعبة المشرفة، حيث قام جيشه برصف الطريق بالحجارة ليسهل مرور الفيلة عليه، وما زالت بعض من آثار هذا الطريق واضحة للعيان في منطقة المصلولة وقاوية والثويلة "12 كلم شرق المحافظة"، والمبرح والمجمع شمالي المحافظة، حيث سلكت قريش طريق الفيل في رحلاتها المشهورة إلى اليمن في فصل الشتاء، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
ومن أبرز المعالم الأثرية في ظهران الجنوب، الرسوم والنقوش التي توضح بجلاء حضارات عاشت في هذه المنطقة، ووثقوا طبيعة حياتهم اليومية على صخور جبال المبرح، وجبال كتام، وجبل عزان، تمثلت في رسوم الحيوانات، مثل الوعول، والجمال، والخيول، وبعض الكلمات والخطوط المبهمة التي لا يعرف لها تاريخ محدد، فضلا عن موقع أثري يعرف بـ"المجمع"، تابع لمركز الفيض شمالي المحافظة، يوجد فيه رسومات ونقوش وكتابات باللغة العربية غير المنقوطة، التي فقدت أهميتها نظرا لاختفاء معظمها نتيجة للإهمال وعدم المحافظة.
وما يميز ظهران الجنوب أيضا، القلاع والحصون الحربية التي اندثر جلها بسبب عدم العناية بها، ولم يبق منها إلا قليل، تميزت بروعتها المعمارية الفريدة وطرازها الهندسي الجذاب، فضلا عن قوة مبانيها المشيدة من خامات البيئة "خلب الطين، الخشب، والحجارة".