المشراق

الشعراء والعيد .. بين الفصيح والنبط

الشعراء والعيد .. بين الفصيح والنبط

قال ابن الأعرابي، سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد. وقال ابن منظور في "لسان العرب"، العيد: كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة، لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد. والعيد من شعائر الإسلام، وهما عيدان: عيد الفطر ويأتي عقب انقضاء صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى في ختام عشر ذي الحجة، وهذان العيدان يتكرران كل عام. وللعيد أحكام شرعية تتعلق به، وهي معروفة عند الفقهاء. وحديثنا اليوم عن العيد والشعراء.

العيد في الشعر الفصيح:
قال الشاعر الخليفة، عبدالله بن المعتز، خليفة اليوم الواحد، واصفا هلال العيد وصفا بديعا:
أهـلا بفطـر قـد أضاء هـلالـه
فـالآن فاغد على الصحاب وبكـر
وانظـر إليـه كزورق من فضــة
قـد أثقلتـه حمـولـة من عنبـر

ووصف ابن الرومي، الشاعر العباسي الشهير، هلال العيد وصفا عجيبا، فقال بعد أن انقضى شهر الخير والبركة والرحمة والمغفرة، شهر رمضان الكريم، ليأتي العيد بفرحته التي تملأ الأرجاء، وتعم الأنحاء:
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
تجلى هـلال العيـد من جانب الغرب
كحاجـب شيخ شاب من طول عمره
يشير لنا بالرمـز للأكـل والشـرب

أتى العيد، ولا بد أن يذهب الشعراء إلى الخلفاء والملوك لتهنئتهم، وربما لنيل عطائهم، فذهب البحتري إلى الخليفة العباسي المتوكل:
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بعيد الفطر عيدا إنه
يوم أغر من الزمان مشهر

وتختلف أعياد أبي الطيب المتنبي، شاعر العربية الأشهر، فها هو يذهب مهنئا سيده سيف الدولة الحمداني بعيد الفطر، فيقول وهو مبتهج مسرور:
هنيئا لك العيد الذي أنت عيده
وعيد لمن سمى وضحى وعيدا

ويقول أيضا في عيد آخر وكله بهجة:
الصوم والفطر والأعياد والعصر
منيرة بك حتى الشمس والقمر

لكن المتنبي في عيد لاحق قضاه في مصر لم يكن سعيدا، بل كان مشحونا بالآلام والهموم، لبعده عن أهله وأحبته، فخرج إلى الناس برائعته الخالدة:
عيـد بأيـة حـال عدت يا عيـد
بما مضـى أم بأمـر فيك تجديـد
أمـا الأحبـة فالبيـداء دونـهــم
فليـت دونـك بيـدا دونهـم بيـد

وإذا كان المتنبي قد عانى من عيده في مصر، فإن معاناة أحد الشعراء الملوك كانت أقصى وأمر. لقد كان المعتمد بن عباد، ملك أشبيلة، من خيرة حكام زمانه في خلقه وأدبه واهتمامه بالعلم والمعرفة والشعر والشعراء، لكن أيام سعده لم تدم، فهاجمه ملك المرابطين يوسف بن تاشفين، ليأخذه أسيرا في عاصمة مملكته مراكش، وبالتحديد في أغمات، وجاء العيد، فرأى الملك الأسير بناته في حالة يرثى لها، جائعات حافيات، فكتب بمداد من دموع وآلام قصيدته الشهيرة:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدة
فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
في لبسهن رأيت الفقر مسطورا
معاشهن بعيد العــز ممتهن
يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءته
ولست يا عيد مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مبتهـج
فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا

العيد في الشعر النبطي:
هذا في الشعر الفصيح، أما شعر النبط فللعيد فيه نصيب وافر. فحين قضت ظروف الحرب على الأمير الفارس عبيد بن رشيد أن يقضي عيد الفطر وعيد الأضحى خارج بلده، وبعيدا عن أهله، فقال:
العيد عيدناه باقصى صعافيق
والعيد الآخر بالحفر والدجاني

ويتمنى الشاعر الكويتي عبدالله الفرج لو لم يأت العيد، ذلك أنه رأى فتاة في غاية الحسن والجمال، سحرته وملكت قلبه، وحاول التقرب إليها، فلم تعبأ به، ولم تنظر إليه بطرف عين، وتركته هائما مولعا، فقال ضمن قصيدة طويلة:
صار السبب لي يوم عيد وزينه
لا عاد ذاك العيد من بد الاعياد

ويتكرر الأمر مع الشاعر عبدالرحمن الربيعي، ويعاني المعاناة نفسها، فقال:
غرو سلب عقلي وانا منه ملهود
ولا ساعة عن مولع القلب لاذي
مياح مزاح ولا منه لي فود
لاهوب محذيني ولا هوب حاذي
مرن ضحي العيد والسـيف مجرود
بيده وانا ما لي ملاذ ومحاذي

أما سعيدان، مطوع نفي، فلا يهدأ له بال والعيد غدا، لأنه لن يرى محبوبته، فقال يخاطب صديقه الراوية محمد بن علي بن عويويد:
غابت نجوم الليل يا ابن عويويد
وانا اتنور فوق عالي الحيودي
الليله الجمعه وباكر ضحى العيد
عيد على ثلاب جعله يعودي
جعله يعود بغير شر على زيد
وجعله عليهم من ليالي السعودي
كل يساير صاحبه في ضحى العيد
وأنا على غض الصبايا وجودي
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق