دول الخليج ترفع إيراداتها 45 مليار دولار مع كل زيادة خمسة دولارات في سعر النفط
في الوقت الذي أكد فيه صندوق النقد الدولي في معرض استعراضه للأوضاع الاقتصادية العالمية لشهر أيار (مايو) أن دول مجلس التعاون الخليجي تتجه لتحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي يتجاوز 6 في المائة في عام 2008 للعام السادس على التوالي، سعى تقرير أصدره البنك الدولي إلى طرح بدائل أمام دول المجلس لاستثمار فوائض النفط وخاصة من خلال إدخال إصلاحات جوهرية في قطاعات التجارة والاستثمارات الخاصة وذلك من أجل تحفيز نمو الاقتصاد وتعزيز حيويته. فبزيادة التجارة والاستثمار ستتمكن دول المنطقة من تحقيق نمو أعلى، وتحسين مستويات المعيشة وخلق المزيد من فرص العمل، هذا إضافة إلى تطوير مستوى المعرفة والمهارة والإنتاجية لدى القوة العاملة.
وقد أثنى تقرير صندوق النقد الدولي على السياسات الاقتصادية الرشيدة المتبعة في دول المنطقة، غير أن التضخم في ازدياد، تدفعه سرعة نمو الطلب وارتفاع حجم السيولة. ونظرا للسياسة النقدية التي يغلب عليها الطابع التوسعي، يُتوقع أن يصل معدل التضخم المتوسط إلى 9 في المائة في عام 2008 مقارنة بمعدل 7.5 في العام الماضي. وتُلاحظ هذه الزيادة في بعض البلدان المصدرة للنفط على وجه الخصوص، حيث بدأ ارتفاع معدلات التضخم يُحْدِث مزيدا من الارتفاع في أسعار الصرف الحقيقية، وهي الاستجابة المتوقعة لزيادة أسعار النفط.
ومن المتوقع أن تشهد إيرادات تصدير النفط ارتفاعا ملحوظا يصل بها إلى أكثر من 700 مليار دولار أمريكي في عام 2008، على أساس ارتفاع سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار. وبطبيعة الحال، تتسم الإيرادات المتوقعة بالحساسية الشديدة لتقلبات أسعار النفط، حيث يُقَدّر أن يؤدي ارتفاع هذه الأسعار بمقدار خمسة دولارات للبرميل إلى ارتفاع الصادرات السنوية في المنطقة بمقدار 45 مليار دولار أمريكي وارتفاع إيرادات المالية العامة بواقع 35 مليار دولار أمريكي.
كما أن السياسات الاقتصادية الأخرى تمضي على مسارها الصحيح. فلا يزال تمويل البرامج الدافعة للاستثمار في القطاع الاجتماعي والبنية التحتية أمرا ميسورا. ومن الأهمية بمكان أيضا إيجاد استثمارات داعمة لتنويع النشاط الاقتصادي، ولا سيما في البلدان التي يوشك إنتاجها النفطي على الانخفاض، وكذلك البلدان المستفيدة من الارتفاع الراهن في أسعار المعادن والذي يُحتَمل ألا يستمر. ومن العوامل الأساسية في جذب مزيد من الاستثمارات الخاصة إلى القطاعات غير السلعية تهيئة مناخ اقتصادي آلي مستقر وإجراء إصلاحات لتحسين مناخ الأعمال وتقوية القطاع المالي.
إلا أن تقرير البنك الدولي يحذر من أن التحدي التنموي الأبرز في العقد المقبل سيتمثل في إيجاد وظائف كافية للقوة العاملة النامية باضطراد. فبين عامي 2000 و2010، سينضم سنويا لسوق العمل في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما معدله 4.2 مليون قادم جديد، أي ضعفي الرقم للعقدين الماضيين. أن السبيل الأفضل والمستدام لمواجهة هذا التحدي هو في أن تقوم دول المنطقة بتسريع عملية تكاملها التجاري والاستثماري بمساعدة شركائها الاقتصاديين.
وأشار التقرير إلى أن هذه التحول ينطوي على انتقال من نمط قديم للتنظيم الاقتصادي إلى نمط جديد. النمط القديم – الذي يدار بواسطة القطاع العام ويعتمد على النفط والاقتصاد الخاص القائم على العمالة الأجنبية الرخيصة - لم يعد باستطاعته تأمين نمو أسرع ووظائف كافية، وهذا ما يؤكده الأداء الاقتصادي في العقود السابقة. إن نمطا جديدا يرتكز بشكل أساسي على التجارة والاستثمار ذات القيمة المضافة العالية التي يديرها القطاع الخاص من شأنه تحقيق نمو أسرع وفرص عمل جديدة، وهو تحديدا ما تحتاج إليه المنطقة.
وقد بدأت معظم الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالفعل بالسير في هذا الإطار، وأن المنطقة اليوم تمر بمرحلة انتقالية. وفيما يخص دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها تواجه تحديين أساسيين. الأول هو ضرورة تسريع نمو القطاع غير النفطي ليتم توفير وظائف ملائمة لـ 70 في المائة من السكان الذين هم تحت سن الـ 30. والتحدي الثاني هو ضرورة تقليص أثر تقلب أسعار النفط في الاقتصاد. أن دول المجلس قد قامت بجهود طيبة في هذين المجالين لكن التحديات لا تزال موجودة.
وقد أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي إصلاحات عميقة تعد بتعزيز هذه السياسات إضافة إلى تسريع تكاملها مع الاقتصاد العالمي. لقد أسست هذه الدول اتحادا جمركيا يبلغ حجمه 335 مليار دولار مما سمح لها بتأسيس سوق مشتركة أوسع مع عوائق تجارية أقل مع باقي العالم بمعدل 5 في المائة للتعرفة الجمركية. إن الهدف النهائي من هذا الاتحاد يكمن في تأسيس وحدة متجانسة لتسهيل التجارة البينية والمفاوضات الجماعية مع منظمة التجارة العالمية والشركاء الاقتصاديين، إضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي.
ويرى التقرير ان التحديات على المستوى التجاري تكمن في أربع مجالات مرتبطة مع بعضها. أولا، إن سوق العمل يشوبها عدم مرونة الأجور وعدم تناسق المهارات إضافة إلى عوامل مؤسسية. إن بعض دول المجلس تحاول استبدال العمال الأجانب بالمواطنين عبر وضع حصص لمقدار توظيف الأجانب ورفع تكلفة توظيفهم. إن هذه السياسات قد يكون لها مفعول سلبي على المدى البعيد لأن مرونة الأجور والعمال والمهرة ضرورة لنمو القطاعات غير النفطية. إن الإجراءات الإلزامية لا تشكل بديلا لمرونة الأجور كما إن التعليم واكتساب المهارات هي أيضا على قدر كبير من الأهمية.
ثانيا، إن ما تنفقه الحكومات الخليجية على أجور موظفيها والدفاع والأمن والإعانات والامتيازات يرهق موازنتها. إن الدور التقليدي للحكومات كرب للعمل وواضع للسياسة الأجورية يحتاج لإعادة نظر. كما أن سياسات الضريبة تحتاج أيضا إلى مراجعة حيث يتوجب استحداث ضرائب شاملة على الاستهلاك.
ثالثا، على السياسات الهيكلية الرامية لتنويع الاقتصاد أن تحظى باهتمام مستمر، خاصة التخصيص لأن معظم الصناعات غير النفطية لا تزال في أيد حكومية. كما يجب أن تعتمد مقاييس تنظيمية جديدة للأسواق المالية ولتطوير أسواق الأسهم المحلية. ورابعا، إن تفعيل عمل الاتحاد الجمركي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة يتطلبان اعتماد إجراءات وقواعد جمركية موحدة، وتنسيق الإجراءات التقنية والتنظيمية (المعايير، الأمان، الفحص وإعطاء الرخص)، ورفع مستوى الشفافية وتقليص الحواجز الإدارية، علاوة على طرق حرية تحرك عناصر الإنتاج بجميع أشكالها.
ويؤكد التقرير أن توسيع التجارة والاستثمار في دول المنطقة يعد بعائدات مهمة عبر خلق الوظائف، حيث إن ازدياد فرص التصدير سيخلق الملايين من الوظائف، مع احتمال أن يكون معظمها للنساء في حال أزيلت العوائق الهيكلية التي تمنع مشاركة المرأة. كما أن حصة الصادرات غير النفطية لا تزيد في الوقت الحاضر على 6 في المائة من الناتج القومي، مقارنة بـ 20 في المائة في دول شرق آسيا والمحيط الهادئ، أن تغطية جزء بسيط من هذه الفجوة سيخلق ما يزيد على أربعة ملايين فرصة عمل في السنوات الخمس المقبلة، أي ما يوازي خفض البطالة بـ 4 في المائة سنويا.