صكوك سابك 3.. هل من جديد؟

صكوك سابك 3.. هل من جديد؟

ما إن لامس الأسماعَ نبأُ عزمِ سابك طرح إصدارها الثالث من الصكوك حتى اشرأبت أعناق المتابعين والمهتمين بالاقتصاد السعودي خصوصاً والمصرفية الإسلامية عموماً لمعرفة ملامح هذا المولود الجديد من الرَّحمِ الوَلُودِ رحِمِ الصكوك.
الجميع مترقِّب لما قد يشتمل عليه هذا الإصدار من جديد، وبالأخص لأنه يصدُر في ظل عوامل ومتغيِّرات ومستجِدَّات عِدَّة يجب أن يحسب لها مُصدِر أي صكوك ألف حساب وحساب..
نعم.. إنها تَصدُر في ظل انخفاض أسعار الفائدة، وارتفاع معدلات التضخم.. تصدُر في ظل إقبالٍ متزايدٍ منقطعِ النظير في العالم أجمع على التمويل الإسلامي وأدواته.. تصدُر بعد هبوب ريحٍ صرصرٍ وأزمةٍ عاتية تحدَّث بها القاصي والداني حول شرعية الصكوك، ومدى انضباطها بالضوابط الشرعية حقيقةً، وتحقيقها لأهداف وغايات الاقتصاد الإسلامي..
تصدُر في ظل أجواء عالمية تضع علامات استفهام وتعجب على هياكل Structure عددٍ من الصكوك الصادرة على مستوى العالم بعد القرار الجديد والجريء للمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والضوابط التي اشتمل عليها ذلك القرار، والتي عَدَّها كثيرٌ من المراقبين إيذاناً بفتح صفحة جديدة في كتاب الصكوك، أو بمثابة قصِّ شريطِ افتتاحِ مرحلة جديدة ومختلفة في تاريخ التصكيك؛ وعليه فإن الجميع مترقب لما ستحمله إصدارات الصكوك القادمة من هياكل جديدة وتجديدٍ وإبداعٍ وإضافة بعيدةٍ عن إصدارات صكوكِ ما قبل الأزمة التي هي في أغلبها مكرورة معادة تجتر ما حملته الإصدارات التي سبقتها من سلبيات وإيجابيات.
لكأني أسمع صدى سؤالك أيها القارئ الكريم يرن في أذني قائلاً: هل حمل هذا الإصدار من صكوك "سابك" جديداً؟ فأقول: نعم .. إن أبرز ما اشتمل عليه الإصدار من جديد كونُه طُرِح طرحاً عاماً يشمل الأفراد مع الشركات والمؤسسات وصناديق الاستثمار، وبحد أدنى للاكتتاب منخفض نسبياً مقارنة بإصدارات الصكوك في غالبها.
إن توجيه الصكوك لعموم المستثمرين من الأفراد يُعَد إضافة لهذا الإصدار تُذكَر فتُحمَد. إلا إن الطرح العام للصكوك مع الإشادة به يشتمل على جوانب متعددة حرية بالتأمل والموازنة.
إن من إيجابيات طرح الصكوك طرحاً عاماً فتح قنوات استثمارية جديدة لعموم الناس وبإشراف رسمي ومستوى تنظيم عالٍ يحفظ حقوقهم من الغش والخداع والمساهمات الوهمية التي يقع كثير من الناس في حبائلها بسبب شح القنوات الاستثمارية الموثوقة. كذلك فإن في طرح صكوك سابك طرحاً عاماً توفير أداة استثمارية متداوَلة، وذات مخاطر متدنية مقارنة بمخاطر الاستثمار في سوق الأسهم؛ وهو ما يُسهِم وبشكل عملي في نشر ثقافة تنويع مخاطر الاستثمار بين عموم الناس، إلى غير ذلك من الإيجابيات.
إلا إنه وفي المقابل فإن الطرح العام ينطوي على جملة أمور حَرِيَّة بالعناية، ومنها: أهمية نشر الوعي والتعريف بالصكوك عبر وسائل الإعلام المختلفة قبل فترة كافية من الطرح العام لضمان قدر جيِّد من الإقبال عليها واستيعابها، وفي المقابل فإن النقص في التعريف بالصكوك وبث الوعي بها له آثار سلبية غير خافية، وكما يقال في المثل العامي "اللي ما يعرف الصقر يشويه"!!
كذلك فإن الطرح العام يضع تحت دائرة الضوء ويُبرِز ما يُمكن أن أسميه بـ "المخاطر الشرعية"؛ إذ عموم الناس - ولله الحمد - متدينون حريصون على الحكم الشرعي في جميع مناحي حياتهم، ولذلك فإنك تجد الأعم الأغلب من الناس لا يحصلون على منتج بنكي أو يساهمون في أي أداة استثمارية إلا بعد الاستفتاء ومعرفة حكم الشرع؛ وهو ما سينتج عنه إقبال الناس على سؤال من يثقون بهم ويطمئنون إلى علمهم ورأيهم.
وعليه فإن مجرد حصول الجهة المُصدرة للصكوك على فتوى شرعية من جهة ما قد لا يكون كافياً - ليس من الناحية الشرعية - وإنما من الناحية التسويقية وضمان قبول الجمهور للمنتج وإقبالهم عليه. إذ إنه لا يكفي للمصدِر أن يقتنع هو بوجهة نظرٍ شرعيةٍ مهما كانت قوتها في نظره في مسألة ما بناء على فتوى جهة شرعية ما مع كون السمة الغالبة للفتوى في السوق تخالفها، أو أن علماء مؤثرين في الساحة ولهم ثِقلهم أو جهات فتوى مؤثرة ولها اعتبارها في المسائل الاقتصادية تخالفها؛ لأن الجهة المصدرة لا تأخذ فتوى في أمر تطبقه على نفسها ويخصها وحدها، بل تريد رأياً شرعياً يكون له قبول عام حتى تضمن نجاح الإصدار.
وعليه فإن من الحكمة في بعض الأحيان حتى وإن كنتُ كمُصدِر مقتنعاً بجواز بعض القضايا والمسائل التي لها رفض عام أو عدم قبول شرعي عند أغلب الجهات ذات التأثير، من الحكمة في هذه الحالات أن لا أغامر بطرح منتجات تشتمل على مثل هذه القضايا؛ لأني بذلك قد لا أخسر إقبال الجمهور على الصفقة التي أنا بصددها فحسب، بل قد يصل الأمر إلى أن أخسر سمعتي الشرعية في السوق - والتي هي عامل مهم عند شريحة كبيرة من الناس - فتصبح الخلفية الذهنية عند كثير من الناس أن البنك الفلاني أو الشركة الفلانية غير شرعية حتى ولو كان عندهم فتاوى. ولذلك فإن على البنوك وغيرها التنبه إلى نوعٍ جديد من أنواع المخاطر التي يجب عليهم أن يدرسوها وبعناية قبل النزول بمنتجاتهم إلى السوق، وهو ما يمكنني أن أسميه "المخاطر الشرعية Sharia Reputation Risk" لينضم إلى قائمة المخاطر التي تُدرس وتُقاس بعناية قبل الإصدار.
وعلى كلٍّ فإني أهنئ "سابك" على إصدارها الجديد، والذي يُعد بكل حال خطوة تستحق الثناء والشكر والدعاء، وأشيد بما اشتمل عليه إصدارها الثالث من تجديد، ومع ذلك فإني أهمس في أذنهم متسائلاً: هل قدَّم هذا الإصدار هيكلة جديدة كما كان الجميع يترقب ويتطلع؟ هل خَطَت "سابك" في هذا الإصدار خطوة إلى الأمام لمزيدٍ من الانضباط بالضوابط الشرعية والبُعد عن الهياكل محل التحفُّظ والإشكال؟
أرجو ذلك... ودعائي لك بالتوفيق والتسديد يا "سابك"...

[email protected]

الأكثر قراءة