نهاية عصر البطولة المطلقة

يدخل المنافسان على الرئاسة الأمريكية حلبة السباق مسلحين بقدراتهما الشخصية، وتاريخهما الحافل بإنجازات سياسية أو عسكرية أو إدارية. ولكن، مع أن السباق للحصول على الوظيفة التي توصف بأنها أهم وظيفة على كوكب الأرض، وهي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ومع منطقية أن يكون دخول المرشحين على نحو فردي باستعراض قدراتهم الذاتية وتجاربهم ومبادئهم، إلا أن هذا وحده لا يكفي للوصول للمكتب البيضاوي.
طوال الأشهر الماضية اتهم باراك أوباما المرشح الديموقراطي بأنه قليل الخبرة وخاصة في مجال العلاقات الدولية، وأنه دخل المنافسة مستخدماً بطاقة العرق ليعزف على نغمة الشعور بالذنب لدى أمريكا البيضاء، وتاريخها (وكذلك حاضرها) العنصري، وإمكانية التصالح بين العرقين اللذين يحويهما في دمه وهو المولود لأب أسود وأم بيضاء، وكذلك ليستفيد من الهوة السحيقة الفاصلة بين الأعراق، والطبقات الاقتصادية في الولايات المتحدة لتقديم نفسه كمثال رجل كافح ليصل لأعلى الهرم وهو القادم من أسفله، وأنه يستغل مفهوم الحلم الأمريكي الذي يعيش في مخيلة الطبقة الوسطى الأمريكية بأن كل من أراد النجاح وعمل له فسوف ينجح في بلاد تفتح الفرص كافة للحالمين، فهذا أوباما مهاجر من الجيل الثاني، ينافس لحكم البلد الذي هاجر إليه والده قبل قرابة نصف قرن.
واتهم ماكين المرشح الجمهوري بأنه كبير السن وهذا سيفقده التواصل مع شريحة كبيرة من الجيل الشاب في الولايات المتحدة، وقد لايكون قادراً على القيام بأعباء هذه الوظيفة التي تتطلب جهداً خارقاً وقدرة عالية على التركيز والصبر، وأنه ليس محافظاً بالدرجة التي يحبذها الجمهوريون، وأنه قريب جداً من الدوائر السياسية في واشنطن، إذن فهو غير قادر على إحداث تغيير كبير، وهو كذلك مقرب من الرئيس جورج بوش ولذلك سيحمل على عاتقه شحنة الانتقادات التي توجه إلى بوش، وهو الحاصل على أدنى درجات الرضا الشعبي في تاريخ الولايات المتحدة. كما اتهم ماكين بأنه غير قادر على التغيير مثل خصمه، وأنه يسير على خطى الجمهوريين الكلاسيكيين.
إلا أن المرشحين الديموقراطي والجمهوري تمكنا من تجاوز كل هذه الانتقادات بحركات تكتيكية بارعة، وضربات سياسية تحسب لمستشاريهما السياسيين وذلك باختيار مرشح لمنصب نائب الرئيس يوازن المشكلات التي يعانيها المرشح للرئاسة، ويمكنه من تقديم صورة متكاملة لفريق البيت الأبيض القادم. يدخل المنافسان السباق ليس فقط باسميهما، ببطولة مطلقة، وإنما بطريقة العمل الجماعي وروح الفريق. رشح أوباما نائباً له جوزيف بايدن، ورشح ماكين سارة بالين.
يوازن بايدن ما لدى أوباما من نقص، فهو كبير في السن (أكبر من أوباما بـ 19 عاماً)، ولديه خبرة طويلة في السياسة، فقد ترشح ست مرات متتالية للكونجرس الأمريكي، وهو متمرس في السياسة الدولية، ورئيس لجنة العلاقات الأجنبية في الكونجرس مرتين. وهو أبيض العرق، غير أنه كاثوليكي الديانة، أي أنه ينتمي للأغلبية عرقياً وللأقلية دينياً، وهذا توازن عجيب لرسالة أوباما المبشرة بالتغيير والقادمة من خارج دوائر واشنطن المعهودة.
وكذلك توازن سارة بالين نواقص ماكين، فهي صغيرة السن مقارنة بماكين (أصغر من ماكين بـ 28 عاماً)، وهي نشيطة على المستوى الشخصي وممارسة دائمة للرياضة. كما أنها محافظة متشددة مما يرضي الجمهوريين التقليديين. واختيارها يشي بروح التغيير، فهي أول مرشحة لمنصب نائبة رئيس الولايات المتحدة في الحزب الجمهوري، وثاني مرشحة من حزب كبير للمنصب في تاريخ الولايات المتحدة بعد جير الدين فيرارو التي رشحها الديموقراطي وولتر مونديل الذي كان نائباً للرئيس جيمي كارتر، وخسر الانتخابات أمام رونالد ريجن عام 1984. وكونها امرأة قد يستميل الناخبات اللاتي تبعن هيلاري كلينتون، ولن يصوتن لأوباما. كما أن كونها حاكمة ولاية ألاسكا في أقصى ولاية من الولايات المتحدة (باستثناء جزيرة هاواي) يجعلها بعيدة عن دوائر التأثير في واشنطن العاصمة، لذلك فهي أقدر على التغيير من سياسيي واشنطن، وهذا البعد عن واشنطن هو الذي أوصل جيمي كارتر للبيت الأبيض إلى الرئاسة عام 1977 بعد فضيحة ووتر غيت واستقالة نيكسون، وخيبة أمل الناخبين وتشكيكهم في سياسيي واشنطن.
حق لنا أن نتساءل هل الرئيس يوصل نائب الرئيس للبيت الأبيض، أم العكس؟ بتأمل نموذج الانتخابات الأمريكية الحالية نتوصل إلى نهاية البطولة المطلقة لشخص المرشح القادر بمؤهلاته ومواصفاته المنفردة أن يصل للبيت الأبيض. فلا بد من روح الفريق وخلق الكمال الجماعي ليوازن النقص الفردي. وعلى ذلك يجب القياس دوماً. فالله لم يخلق بشراً كاملين، ولكي يصلوا للكمال فلا بد أن يتعاونوا ليغطي بعضهم قصور بعض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي