الإسلام والمسلمون .. مَن أساء لمن؟!

[email protected]

الإسلام والمسلمون .. مَن أساء لمن؟! ترددت كثيرا في وضع هذا السؤال كعنوان لهذه المقالة لأني أعلم علم اليقين أن بعض المسلمين هم من أساء للإسلام ولصورة الإسلام في أذهان العديد من شعوب العالم خصوصا بعد 11 من أيلول (سبتمبر) ومع التوسع العالي والعالمي لشبكة الاتصالات والمواصلات بين الشعوب, هذا السؤال المطروح جاء خلال استماعي وحضوري المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد في رحاب مدينة مكة المكرمة بدعوة وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ألقى خلال هذا المؤتمر رؤيته ـ يحفظه الله ـ حول الحوار بين المسلمين أولا قبل الحوار مع أتباع الأديان الأخرى, لقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين واضحة وصريحة للمطلوب من الحوار أن يشمله وهو العودة للذات وتقويم الوضع والعلاقات الإسلامية.
لقد استمعت إلى أغلب المحاضرين والمداخلين وأصبح الحديث يدور حول عظمة الإسلام, وأنه خير الأديان وأن عدم فهم غير المسلمين هذا الدين هو ما جعلهم يتهمونه بالإرهاب والتخلف و.... و...., والمحاضرون يؤكدون أن الإسلام هو دين الحوار ودين المودة ودين الرحمة ودين التواصل ودين الحق, لقد تأملت وتألمت لهذا الطرح والإصرار على أن هذا الدين العظيم عظيم, نحن لا نختلف أن الدين الإسلامي دين عظيم وهو خاتمة الأديان والناسخ لما قبله ولكن الخلل هو في سوء سلوك وتصرف بعض المسلمين مما يعطي الانطباع السيئ عن الإسلام ومبادئه.
لقد تأملت كلمة خادم الحرمين الشريفين وهو يؤكد أهمية تقديم النموذج للمسلم المعاصر القادر على كسب قناعة الآخرين بالقول والعمل وأن المسلمين مطالبون بنبذ الخلافات المذهبية والعنجهية الفردية وتعديل السلوك الإنساني الإسلامي وتألمت عندما أصر المتحدثون على الاستمرار في الحديث عن الإسلام وليس المسلمين, بعض المسلمين الذين يقدمون النماذج السلبية للمجتمعات الأخرى.
تألمت لأن أغلب المسلمين اليوم لا ينطبق قولهم مع فعلهم, فنحن نتحدث عن عظمة الدين الإسلامي ومبادئه العظيمة ولكننا في الوقت نفسه نناقض تلك المبادئ بأفعالنا المسيئة لمبادئ الإسلام, هذه الأفعال تجعل من الآخرين يترجمونها ضمن مفاهيمهم للإسلام ولعل قول الشيخ محمد عبده ـ يرحمه الله ـ عندما ذهب للغرب ما يؤكد تلك المقولة التي يجب أن نفهمها اليوم بشكل واضح وصريح, لأن كل فرد في العالم يتابع ويراقب التصرفات التي يقوم بها المسلمون, هذه المتابعة والمراقبة تجعلهم يقومون الإسلام بناء على ذلك.
تألمت لأن العديد من المتحدثين والمحاضرين سرد تجاربه الفردية في إيضاح عظمة الإسلام وإصرار البعض الآخر من المتحدثين على أن المطلوب هو إيضاح حقيقة الإسلام ويذكرون تجاربهم أيضا في هذا المجال مثل علاقة الإسلام بالمسيحية وأننا نؤمن أن عيسى رسول الله, وأن القرآن ذكر مريم عليها السلام بالاسم, وجعل لها سورة في القرآن باسمها, وأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يسم في القرآن أي سورة باسم أمه أو إحدى زوجاته أو بناته وهذا يدل على أنه دين من الله سبحانه, هذه حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد, إن ما يحتاج إليه أتباع الأديان الأخرى هو وجود القدوة الإسلامية الصالحة.
تأملت تجربة المسلمين الأوائل الذين كانوا يمثلون القدوة الصالحة وكيف أن هذه القدوة الصالحة الصادقة كانت سبب دخول أمم كثيرة وكبيرة إلى اليوم في الإسلام, هذه الأمم المسلمة عندما يأتون لبلاد المسلمين من العرب يصعقون من النموذج السيئ لهذه القدوة، حيث يرون كيف يأكل المسلم أخاه المسلم في ماله وعرضه ودينه, كيف أن الحقوق تسلب وكيف أن الأعراض تنتهك وكيف يتم التعامل بالطبقية والفوقية البغيضة, كيف أن المخدرات تنتشر بين المسلمين أكثر من انتشارها بين غيرهم, كيف أن الربا والزنا والكذب أصبحت من صفات بعض العرب المسلمين, حتى أذكر أن أحد الإخوة من تلك الديار سأل في لقاء حول السلوك الإسلامي للأفراد وقال أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, أين ذلك في تعاملاتكم؟ كما ذكر أخ آخر أن الإسلام أصبح بين العديد من العرب المسلمين هو عادة وليس عبادة, وأن هناك فصلا واضحا بين الإسلام والإيمان, بل إن أحدهم قال وهو يبتسم بشيء من السخرية لقد قال لي أحد الإخوة العرب المسلمين إنه صائم ومتنرفز ولا يستطيع القيام بعمله وسأل أليس الصيام يهذب السلوك ويطمئن النفوس ويقربها؟!
إن الحقيقة الصادقة والمؤلمة أننا كمسلمين نسيء بشكل فاضح للإسلام بالسلوك والقول والعمل, نسيء للإسلام من خلال تهميش الآخرين وأديانهم, حقيقة كما أشرت إلى أن الدين الإسلامي نسخ الأديان الأخرى, هذه الحقيقة تتضح لنا جلية ولكنها لا تتضح لأي من أتباع الأديان ولو كانت واضحة كما هي واضحة لنا لما رأينا أكبر دول العالم وقياداتها وشعوبها تتبع الدين المسيحي مثلا أو لا تؤمن بأي دين في دول أخرى, هذا الوضع يجعلنا مطالبين كمسلمين بإعادة النظر فيما نحن فيه وما نعيشه من سلوك مشين يجعلنا أصحاب وجوه مختلفة ومتلونة ومتقلبة ويجعل الآخرين لا يقبلون منا هذا الدين.
إن المرحلة الحالية والدعوة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين تتطلب منا أن نعيد البناء من الداخل وفقا لمنهج الدين الإسلامي المتفق عليه وأن نحيل خلافاتنا الإسلامية لأهل الاختصاص وأن نتفرغ للعمل البناء الذي يجعل دولنا الإسلامية في مصاف الدول المتقدمة, ويجعل سلوكنا وتصرفاتنا ومعاملاتنا وعلاقاتنا بيننا وبين الآخرين وفقا للمنهج الإسلامي السليم.
لقد قدم لنا خادم الحرمين منهج تعديل يحتاج إلى مؤتمر آخر يتم الحوار فيه حول هذا المنهج المطلوب للمرحلة الحالية والمستقبلية, كما قدمت لنا رابطة العالم الإسلامي بجهود الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وزملائنا في الرابطة نموذجا لحسن الاستقبال والتنظيم والمشاركة والحرص على كسب احترام وتقدير كل المشاركين للمملكة وقناعتهم أن المملكة تمثل اليوم القيادة العربية الإسلامية لجميع المسلمين دون أهداف لهذه القيادة سواء خدمة الإسلام والمسلمين وتقديم رؤية سليمة وصادقة عنهم.
والله من وراء القصد
وقفة تأمل:
"من روائع المحبة الصادقة أنه مهما أشغلتك الحياة عمن تحب فإنك لا تحمل هما لأنه حتما سيعذرك، أسعد الله قلوبا طاهرة إن وصلنا شكرت وإن قصرنا عذرت وإن زللنا صفحت".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي