البحث عن سلم رواتب الأطباء السعوديين.. كيف التقييم؟

[email protected]

الظروف الاقتصادية التي تمر بها وزارة الصحة تساعد على إطلاق سراح سلم رواتب الأطباء السعوديين فوراً، ومن غير المقبول أن يظل سلًم رواتب الأطباء السعوديين يترنح لأكثر من عامين بين وزارة الصحة من جهة ووزارة المالية من جهة أخرى. بمعنى أن الظروف الاقتصادية والطبية باتت تستدعي سـرعة إنجاز سلًم رواتب الأطباء السعوديين لأسباب عديدة من أهمها أن مستوى الجدارة لدى الطبيب السعودي التي أصبحت تتوازى إن لم تزد على مستوى الجدارة لدى الأطباء من الجنسيات الأخرى.
ورغم أن تكلفة العلاج قد ارتفعت في السوق السعودية ابتداء من التأمين الصحي إلى الخدمات الطبية في المستشفيات الخاصة والعيادات حتى تجاوزت نسبة 25 في المائة، وكذلك فإن أجور الأطباء في مستشفيات القطاع الخاص ارتفعت بنسبة 15 إلى 20 في المائة.. وللأسف ظلت رواتب الأطباء السعوديين في وزارة الصحة هي الثابت الوحيد الذي لم يزد في منظومة العمل في المؤسسات الصحية والطبية في المملكة.
وإذا كانت وزارة الصحة قد رفعت رواتب الأطباء غير السعوديين في العام الماضي إلى نحو 90 في المائة بحجة أن الكفاءات الطبية غير السعودية تفضل التعاقد مع دول الخليج، فإن هذا المبرر هو الذي سيؤدي إلى تدفق الكفاءات الطبية السعودية في المستقبل القريب إلى خارج وزارة الصحة، بل أكثر من هذا فإن عدداً من الأطباء السعوديين بدأوا رحلة العمل في مستشفيات القطاع الخاص مثلهم مثل زملائهم الأطباء غير السعوديين وكثير منهم رفض المغريات التي قدمت إليه من قبل بعض دول الخليج.
وفي دراسة حديثة أجراها أحد مراكز الأبحاث الصحية في المملكة أشـار إلى أن الطلب على الخدمات الصحية في المملكة سيزداد بنسب أعلى من نسب التنمية الصحية، وسيزداد في السنوات العشر المقبلة إلى أكثر من الضعف، ولكن مستوى الخدمة الصحية في قطاع وزارة الصحة سيهبط بشكل لافت.
ولا شـك أن من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى هبوط الخدمة الطبية في القطاع الحكومي هو هروب الكفاءات الطبية من المؤسسات الصحية الحكومية بسبب تدني الرواتب والأجور وإحساسهم بأنهم أصبحوا أطباء من الدرجة الثانية. بمعنى أن هناك أضراراً كبيرة نجمت بسبب التلكؤ في عدم زيادة رواتب الأطباء السعوديين في القطاع الحكومي.
ومعروف أن العلاقة بين مستوى الخدمة الطبية والتكلفة.. هي علاقة طردية، فكلما زادت التكلفة, زادت جودة الخدمة الطبية، وعلى الشأن نفسه كلما ازدادت رواتب وأجور الأطباء والعاملين.. ارتفع مستوى الخدمة الطبية التي تقدم للمرضى والمراجعين.
ولذلك نستطيع القول إن القرار المفاجئ والعاجل الذي اتخذه وزير الصحة مع بواكير عام 2008 بإلغاء العيادات الاستشارية الخاصة للأطباء العاملين في ملاكها مع إبقاء سلًم الرواتب القديم على حاله، ثم الأدهى من هذا وذاك زيادة رواتب الأطباء غير السعوديين إلى ما يقارب 90 في المائة.. أصـاب الكفاءات الطبية السعودية بإحباط شـديد، الأغرب من هذا أن سلم رواتب الأطباء السعوديين ما زال قيد الدرس والفحص والتمحيص، أي مازال يترنح بين الإضبارات والأدراج وعنعنات البيروقراطية المقيتة.
وإزاء ذلك نشطت المسـتشـفيات الخاصة في الاتصال بالكفاءات الطبية السعودية النادرة التي وقعت ضحية القرار المجحف الذي لم يراع خبرات وخدمات ومهارات هؤلاء الأطباء الذين تجاوزت أسماؤهم حدود الوطن وبلغت دول الخليج العربية.
ونذكر على سبيل المثال أن قسم العظام في مستشفى الملك فهد في جدة الذي حفر اسمه في تاريخ الطب السعودي المبدع.. سيفقد في غضون هذا العام 2008 معظم أساطين أطباء العظام في منطقة مكة المكرمة، حيث يتجه كثير من الأطباء إلى طلب التقاعد المبكر للتعاقد مع المستشفيات الخاصة، وسيلي قسم العظام أقسام القلب والمخ والأعصاب والجراحة وما إلى ذلك من التخصصات المهمة. وأحسب أن وزارة الصحة تعاني في هذه الأيام من تسرب أعداد كبيرة من الأطباء السعوديين إلى خارج الوزارة وأن النقص في الكفاءات الطبية بدأ يظهر في مستوى الخدمة الطبية في المستشفيات العامة والمراكز الصحية المنتشرة في جميع أنحاء المملكة.
وإذا تركنا الأمور على حالها فإن المزيد من الأطباء السعوديين سيغادرون إلى دول الخليج حيث الراتب المجزي والسكن المريح والبدلات السخية والمزايا الوظيفية العديدة التي وفرتها دول الخليج للأطباء السعوديين وفقاً لنصوص اتفاقيات السوق الخليجية المشتركة التي بدأ العمل بها مع تباشير اليوم الأول من عام 2008.
والشيء المحمود أن وزارة الصحة تدرك حجم الظلم الذي نزل بأبنائها من الأطباء السعوديين، ولذلك اتخذت الوزارة خطوة جيدة باتجاه تغيير ُسلًم رواتب الأطباء وحصلت على دعم وموافقة ومباركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وبادرت بالتعاون مع وزارة الخدمة المدنية إلى تصميم سلًم لرواتب الأطباء السعوديين، وبعد ذلك رفع سلًم الرواتب المقترح إلى وزارة المالية للموافقة عليه واعتماد المبالغ المالية اللازمة لوضعه موضع التنفيذ.
ولكن السََُلم المقترح نام في أدراج وزارة المالية وظل حبيس الأدراج لأكثر من عامين، ومن ناحيتها قامت وزارة الصحة بالتعقيب والاستعجال لأن التسرب الوظيفي من قبل الكفاءات الطبية السعودية يزداد، ولكن ملف سلم الرواتب وقع في قبضة الروتين والإطالة الإجرائية المقيتة، ومازالت وزارة الصحة تطارد الروتين الممل في وزارة المالية للوصول إلى اتفاق مشترك يوقف نزيف التسرب الوظيفي، ويحقق الإنجاز الذي وعدت أطباءها به.
إن الظروف الاقتصادية باتت تضغط على الأطباء السعوديين الذين تحوطهم ضغوط كثيرة منها الغلاء المستفحل الذي وصل إلى كل أوجه الحياة، ومنها أن وزارة الصحة بادرت وضاعفت رواتب زملائهم من الأطباء غير السعوديين, ولكن ظل للأسف الطبيب السعودي يتسول الزيادة التي يسـتحقها عدلاً وجدارة.
لقد بدأ المرضى يلمسون الفرق بين الخدمة الطبية في المستشفيات الحكومية والخدمة الطبية في مستشفيات القطاع الخاص، كما أن الصحافة المحلية بدأت تسلط الضوء على القصور اللافت في المستشفيات الحكومية والخدمة الطبية المتراجعة التي تقدمها المستشفيات الحكومية لمراجعيها.
وباختصار، إذا لم يتم إنجاز سلم جديد لرواتب الأطباء، فمتى ترفع رواتب الأبناء الذين عانوا كثيراً حتى حصلوا على أصعب الشهادات، وعانوا أكثر حتى حصلوا على أعلى المهارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي