التفاوض مع طالبان من باكستان إلى أفغانستان

drashwan59@yahoo .com

تشهد باكستان وأفغانستان حالياً تطورات شديدة الأهمية تتعلق بحركة طالبان ذات الأصل الأفغاني والتي امتدت خلال السنوات الأخيرة عبر الحدود الشمالية والشمالية الغربية إلى باكستان لتنشئ فيها فرعاً لها. وكما هو معروف، فقد نشأت حركة طالبان في بداية التسعينيات من طلاب المدارس الدينية الأفغان في أفغانستان والمدن الحدودية في باكستان، كرد فعل على التقاتل الذي نشأ واتسع في عموم مناطق أفغانستان بين الجماعات والفصائل الإسلامية بعد رحيل الجيش السوفياتي عنها عام 1989. واستطاعت الحركة، التي تشكلت أساساً من أبناء الأغلبية البشتونية في أفغانستان، اكتساب كثير من الشعبية لرفضها هذا التقاتل بين المجاهدين السابقين وسعيها إلى إقرار حالة من الأمن والاستقرار افتقدها الشعب الأفغاني في ظل هذا الصراع بين الإخوة والحلفاء السابقين. وفي عام 1996، وبعد شهور من تحول طالبان لحركة مسلحة وشنها الحرب على كل هؤلاء الحلفاء المتصارعين، استطاعت السيطرة على العاصمة كابول ومعها أكثر من ثلاثة أرباع البلاد، وأقامت بذلك نظامها السياسي في أفغانستان.
وبعد خمس سنوات فقط كانت حركة طالبان قد أقصيت عن الحكم لصالح التحالف الشمالي المكون من خصومها من المجاهدين السابقين، بعد أن شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان لمطاردة تنظيم القاعدة بعد هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن. ومنذ ذلك الوقت ظلت حركة طالبان في أفغانستان محتفظة بوجودها وخاصة في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية التي تعيش فيها الأغلبية البشتونية. وفي خلال العامين الأخيرين بدا واضحاً أن طالبان تتقدم بسرعة في مختلف مناطق البلاد وتحقق انتصارات عسكرية مهمة ضد القوات الحكومية وقوات الناتو والقوات الأمريكية الموجودة هناك، وهو ما ترافق مع زيادة شعبيتها وتراجع شعبية الحكومة بعد فشلها في تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي وعدت به الشعب الأفغاني. وفي تلك السنوات نفسها تزايد وجود أنصار طالبان على الجانب الآخر من الحدود في باكستان، حيث نشأ فرع لحركة طالبان راح يدخل في صراع عنيف مع الرئيس برويز مشرف سواء في المناطق الشمالية والشمالية الغربية أو في العاصمة أو غيرها من مناطق البلاد. وراحت الحركة تمارس على الجانب الباكستاني ضغوطاً كبيرة على الحكومة وتلجأ إلى العمليات العسكرية المتصاعدة وصولاً إلى الهجمات الانتحارية، الأمر الذي خلق حالة اضطراب كبيرة في البلاد أثرت سلباً في تطوراتها السياسية والاقتصادية.
في ظل ذلك التنامي المضطرد لطالبان في الدولتين الجارتين، بدا واضحاً على الجانب الأفغاني أن ثمة مفاوضات سرية راحت تتكثف بين ممثلي الحركة وعديد من ممثلي الحكومة والرئيس الأفغاني حامد كرزاي وبعض من ممثلي الدول الغربية الحليفة بهدف واضح وهو إعادة الاستقرار والأمن في البلاد نظير إشراك طالبان بصورة واضحة في صيغة جبهوية لحكم أفغانستان. وقد صرح الرئيس الأفغاني نفسه عدة مرات باستعداده الشخصي للتفاوض مع طالبان وزعيمها الملا محمد عمر للوصول إلى اتفاق نهائي يحقق تلك الأهداف. كما أن الأنباء حملت تفاصيل بعض اللقاءات السرية التي عقدها ممثلون لدول حليفة ولبعض لجان الأمم المتحدة في أفغانستان مع ممثلين لحركة طالبان في الاتجاه نفسه. وأتي الجديد خلال الأيام الماضية من باكستان، حيث أشارت الأنباء إلى أن حكومتها الجديدة بقيادة يوسف رضا جيلاني المنتمي لحزب الشعب صاحب الأغلبية البرلمانية بعد الانتخابات الأخيرة، قد خاضت مفاوضات جادة مع حركة طالبان في باكستان وأن الطرفين على وشك التوصل لاتفاق نهائي بينهما ينهي حالة الصراع التي خلخلت حالة الاستقرار في باكستان.
ويبدو أن استراتيجية الحكومة الباكستانية الجديدة تجاه طالبان باكستان قد تأثرت بالعديد من العوامل، أولها داخلي يتعلق بخلاف حزب الشعب ومعه حليفه حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف مع الرئيس مشرف في استراتجيته تجاه حركة طالبان في البلدين ضمن الاستراتيجية العامة لمكافحة الإرهاب فيهما، حيث ترى الحكومة الجديدة أنه يمكن عزل الحركة عن حليفها تنظيم القاعدة عبر صياغة مثل ذلك الاتفاق معها، وأنه لا يجب اعتبار الطرفين بمثابة كتلة واحدة يجب محاربتها باعتبارها إرهابية. كذلك من الواضح أن بدء المفاوضات السرية مع حركة طالبان الأصلية في أفغانستان من جانب أطراف حكومية ودولية قد شجع حكومة باكستان الجديدة على السير في الطريق نفسه، وهي ترى في ذلك مصلحة قومية داخلية في بلادها يمثلها الاستقرار المتوقع بعد توقيع الاتفاق وأخرى خارجية تتمثل في إعادة علاقتها عبر هذا الاتفاق مع طالبان أفغانستان بعد أن يتم دمجها في الحكم وتصبح أحد الفاعلين الرئيسين فيه.
ومع كل ذلك التقدم الحادث في مفاوضات طالبان على جانبي الحدود مع الحكومتين الباكستانية والأفغانية، فإن عقبات عديدة تقف في طريقه بعضها داخلي تمثله قوى سياسية وأخرى حكومية وأمنية في البلدين ترفض مثل هذا التفاوض مع طالبان، وبعضها الآخر خارجي تمثله بعض الأطراف في الإدارة الأمريكية التي تري فيه إعلاناً صريحاً بفشل حربها على الإرهاب الذي كانت طالبان أبرز رموزه حسب رؤيتها. أما أهم العقبات فهي علاقة طالبان وبخاصة في أفغانستان بتنظيم القاعدة الموجود هناك وفي بعض المناطق الباكستانية، حيث لا يمكن تصور توقيع أي اتفاق حكومي أو دولي مع فرعيها في البلدين يشمل القاعدة. فهل ستتخلى طالبان عن القاعدة، وتصبح الأخيرة هي الثمن الذي تقدمه الحركة للعودة إلى الاندماج في بلدها الأصلي والبلد المجاور له؟ هذا هو السؤال الذي لا بد من الانتظار لمعرفة إجابته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي