مفهوم الصنم

مفهوم الصنم

[email protected]

أرسل لي من الرياض الأخ عمر يسأل عن مفهوم الوثن؟ وهي المسألة الجوهرية التي ناقشها القرآن. وقصة الطالبان مع تدمير صنم بوذا تفتح النقاش حول مفهوم الصنم فما هو ؟
قد يكون الصنم حجراً أو بشراً أو (أيديولوجية)، ولكنه يتظاهر دوماً بأنه متعال ما فوق بشري، يملك صفات خارقة، ويتلّون حسب العصور، ويفرض على العقل الإنساني الانصياع والرهبة أمام (سيطرته).
لذا وصف الفيلسوف (محمد إقبال) أن الصنم (مناة) تحافظ على شبابها عبر الأزمنة:(تبدل في كل حال مناة ... شاب بنو الدهر وهي فتاة).
ولم تهدأ معركة (الصنم) و(الفكرة) عبر التاريخ.
فقد يكون الصنم (تمثالاً) لامعاً يمنح البركات، يطوف حوله بشر مغفلون يزعمون أنه يشفي العلل، ويقيم المشلولين، وتحبل العقيم بلمسة منه؟
كما قد يكون الصنم (بشراً) متعالياً فوق النقد والخطأ، كلماته حكم خالدة، وألفاظه شعارات، تعلق في كل الشوارع، وصوره مرفوعة بكل الألوان والأحجام واللقطات حيثما قلب المرء وجهه. كما رأينا في كاسترو الذي حكم كوبا 49 عاماً مديدا، واستقال وهو يراقب الوضع من بعيد بعيون قطط لاتعرف النوم والوسن في مراقبة الوثن؟
أو (ايديولوجية) لا تقبل المراجعة، كما في عقيدة حزب البعث عند الرفاق، فيرددون شعارات يزعقها شعب جاهل، ومن رفض كان السجن مأواه، أو الزحف على الأرض؛ فيتحول إلى زاحف بري، كما حصل معي من أيام المدرسة الثانوية.
وهي شعارات فرضها كهان، يتمتمون ويرطنون بمصطلحات لايفهمها المواطن أكثر من فهم زمع الكهان ونفث السحرة، من الذين ترتبط مصالحهم بالوثن الذي رفعوه، وتتعلق كل امتيازاتهم بهذه المراهنة الحمقاء؛ فيبنون لأنفسهم مجدا على حساب قتل الأمة ثم بدورهم يقتلون.
وأبسط الأصنام ما نحت من الحجر لظهوره وبساطته كما حصل مع إبراهيم مع قومه حين قال لهم هل ينفعونكم أو يضرون؟ فقالوا: بل نحن منها مستفيدون؟ وأعقدها الأيديولوجية لاختفائها خلف الشعارات، في كلمات ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد يمتزج الاثنان في صورة القائد البطل الملهم، كما كان الوضع مع العجل السامري والناصري، فترفع له الأصنام على شكل تماثيل شاهقة يطل بها من علٍ بوجه مكفهر، ويد ممدودة إلى جماهير مطحونة، تعيش كي لا تعيش مغموسة بالذل لقمتها، ليس عندها قوت يومها،غير آمنة على نفسها مطوقة بالقلة والقذارة والفوضى وإذا تنفست كان الجو عابقاً بجزيئات (رجال الأمن).
لقد عبد أهل الجاهلية الأوثان، فأقاموا نصب الَّلات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. وظن العرب أنهم نجوا من موبقة الوثنية ولكن (الصنم) عاد فبزغ من جديد بنسخ مستحدثة عندما غربت شمس (الفكرة). على حد تعبير مالك بن نبي، وأقيمت التماثيل العملاقة للينين وستالين وماوتسي تونغ وفرضت أيديولوجيات بنسخ مزورة بقوة السلاح وسطوة رجال الأمن.
ويخطئ من يظن أن (الصنم) مرتبط بالتمثال من حجر. كما يخطئ من يعتقد أن المشركين كانوا ينكرون وجود الله. كذلك يقع في الوهم من يتصور أن معركة الأنبياء التاريخية كانت (تيولوجية) تمعن في الجدل النظري، وتدور في حلقات نقاش حول مكان الله، ويخطئ من يظن أن فرعون المذكور في القرآن هو (بيبي الثاني) الذي عاش في الألف الثانية قبل الميلاد. فلو كان (التمثال) صنماً لما عملت الجن لنبي الله (سليمان) عليه السلام محاريب و(تماثيل) وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور.
وكان البدوي يتحدث بكل بساطة عن وجود الخالق:(إن البعرة لتدل على البعير، وإن الأثر ليدل على المسير. سماء ذات أبراج. وأرض ذات فجاج. وبحار ذات أمواج. ألا تدل على وجود اللطيف الخبير).
واختصر القرآن ذلك في نصف آية فقال:(ولئن سألتهم من خلقهم ليقولُّن الله فأنى يؤفكون). كما أن معركة التوحيد التي خاضها الأنبياء في التاريخ لم تكن في السماء، بل في الأرض. لم تكن تيولوجية غيبية جدلية لفظية تستخدم أدوات (علم الكلام) و (المنطق) بل كانت اجتماعية سياسية تدور حول السلطة والمال والنفوذ والمرجعية. كما جاء في سورة نوح عن يغوث ويعوق ونسرا.. ولذلك كانت طاحنة قاسية هُدِّد فيها الأنبياء بالرجم والهجر والإخراج، ودفع البعض منهم حياتهم ثمناً لذلك. وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب.

الأكثر قراءة