الرياضة السعودية وانحراف البوصلة
لا نختلف أن الرياضة تبنى على مفهوم الروح العالية والأخلاق الحميدة، سواء للممارسين لها أو المشرفين عليها، ونقول دائما يجب أن تتمتع بالأخلاق الرياضية، كما أننا نشأنا منذ الصغر على أن الرياضة هي لاستغلال طاقات الشباب والاهتمام بهم واعتبارها جزءا أساسيا من التربية والترفيه، ولا يخلو في السابق حي سكني كبر أو صغر اتجه شمالا أو جنوبا إلا ونجد فيه ملعبا للشباب يقضون فيه فترة ما بعد العصر يغذيهم بالنشاط واستغلال الوقت ويأخذ منهم الطاقة الزائدة التي يتم تفريغها في تلك الملاعب بدلا من تفريغها في المخدرات والمشكلات الشبابية التي نراها اليوم.
الرياضة السعودية اليوم تمر بمنعطف خطير، خصوصا بعد أن دخل ساحتها أشخاص لا يملكون الخبرة الرياضية، وربما لا يفهمون الرسالة العظيمة التي تحملها الرياضة بمفهومها الشامل، حقيقة أن بعضهم يحمل المال الذي يغذي مختلف الأنشطة الرياضية، ولكن تلك الأموال أساءت بقصد أو دون قصد، بشكل مباشر أو غير مباشر في سلوك اللاعبين والمسؤولين وحتى الجمهور الرياضي والصحافة والإعلام الرياضي، خصوصا مع تنحي بعض الكفاءات الرياضية التي رأت الابتعاد لأسباب لا تخفى عن المهتمين بالرياضة في السعودية.
تحولت الرياضة بشكل عام والأندية الرياضية في بعض المدن الرئيسة بشكل خاص إلى ما يشبه المراكز التجارية التي يتم بيع كل شيء فيها، أصبح اللاعب للبيع، والحكم متهم بالبيع والشراء وأعضاء مجالس تلك الأندية لا تخلو من بيع وشراء حتى أعضاء الشرف الذين نعتز بشرف انتمائهم لتلك الأندية بدأنا نضع علامات استفهام كبيرة أمام أسماء البعض منهم حول حقيقة شرف الانتماء لتلك الأندية والتطبيق السليم لمعنى الشرف ومفهومه.
حقيقة أن مفهوم الاحتراف في الأندية السعودية لم يرتق للمفهوم العالمي لهذا التوجه، وبسبب ذلك تاهت أنديتنا وضاع لاعبونا وفقد منتخبنا الوطني الكوادر الرياضية التي كانت تدعمه لإحساس بعض لاعبي الأندية أن الانتماء إلى النادي أهم من شرف اللعب مع المنتخب السعودي، لأن النادي يدفع الرواتب وبدلات الانتقال ورسوم الاحتراف وأما المنتخب فلا، وربما أن بعض رؤساء الأندية من رجال المال هم من أدخلوا مثل هذا الفكر الجديد في رؤوس بعض اللاعبين، ولهذا رأينا كيف يحاول بعض اللاعبين المتميزين في أنديتهم الابتعاد عن اللعب في المنتخبات السعودية.
الحكم السعودي من جهة أخرى، يمر اليوم بأسوأ مراحل الثقة به فها هي المباريات المهمة التي تبني القدرة والثقة تُسند إلى حكام أجانب، وبذلك أصبح الحكم السعودي يفقد الثقة به داخليا ثم من باب أولى يفقد الثقة من الخارج، ولا أعتقد أن هناك هيئة أو منظمة أو دولة ستسند إدارة مباراة لحكم لا يثق به أهذا على أساس أن "أهل مكة أدرى بشعابها"، ونحن أدرى بقدرة حكامنا، وعلى هذا الأساس من عدم الثقة بهم لن نساعدهم على بناء قدراتهم التحكيمية التي يمكن أن ننافس بها العالم.
الأندية السعودية الكبيرة بالذات بعضها تلعب اليوم دورا سلبيا في بناء الرياضة السعودية البناء السليم يساعدها على ذلك بعض المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمشاهدة، هذا الفريق ساعد على إيجاد فجوة رياضية حضارية حقيقية في العديد من مدننا وقرانا بشكل أخلّ بمفهوم الرياضة والهدف الحقيقي من احتضانها.
الرياضة كما نعرفها أو كنا نعرفها سلوك حضاري راق في كل ممارساتها من احتضان الشباب واستغلال وقت فراغهم إلى بناء علاقة إنسانية متينة بينهم، إلى استخدام لغة مهذبة في حديثهم، إلى صراحة وشفافية إعلامية في طرح القضايا الرياضية بعيدا عن التعصب الرياضي البغيض والأخطاء اللغوية أو السلوكية. الرياضة ثقافة وروح يجب المحافظة عليها ومساعدتها على التخلص من الأدعياء عليها أو الداخلين في فلكها، وهم ليسوا من أهلها مهما كانت المغريات التي يقدمها هؤلاء الدخلاء عليها، لأن الأساس فيها هو الاهتمام بالشباب واستغلال أوقات فراغهم بما يفيدهم ويفيد مجتمعاتهم ووطنهم وجعل الأندية الرياضية حاضنات لهؤلاء الشباب بمختلف أعمارهم وميولهم الرياضية والثقافية والاجتماعية.
لعلنا لا ننسى أن أنديتنا كانت تحمل هذا الشعار الراقي لمفهوم الرياضة، ولهذا فإننا اليوم نأمل من القائمين على مؤسساتنا الرياضية الغالية الاهتمام بالرياضة والعودة بها إلى قيمها الصافية، خصوصا أن الشباب من الجنسين يمثلون أكثر من 60 في المائة من السكان السعوديين، وهو ما يتطلب الاهتمام بهم واحتوائهم ضمن المنظومة التنموية، وذلك من خلال وضع خطة وطنية مع الشركاء الأساسيين المعنيين بالشباب من الجنسين تُحوَّل إلى برامج تنفيذية وفقا لبرنامج زمني مع تخصيص ما تحتاج إليه البرامج من إمكانات بشرية ومالية للاهتمام بمتطلبات الشباب. هذه الخطة وبرامجها التنفيذية يجب أن تشمل جميع مدن وقرى المملكة لأن ما نراه من نقص واضح في عدد الأندية والمنشآت الرياضية في العديد من المدن والقرى يجعل الإلحاح على هذه الخطة واجبا وطنيا يضاف إلى ذلك أن تلك المدن والقرى سوف تكون المغذي الرئيس لمختلف الألعاب الرياضية المختلفة، ولعل مسحا شاملا وصادقا للوضع الراهن يؤكد أهمية ذلك.
الشباب اليوم بين فكين مفترسين خطيرين هما مروج الفكر الضّال والمخدرات، فإما انحراف فكري أو انحراف أخلاقي وهو ما لا نرجوه لشباب اليوم ورجال المستقبل، فرعايتهم والاهتمام باستثمار وقتهم وتوجيههم التوجيه السليم هو ما نحتاج إليه لبناء دولة سعودية عربية مسلمة عالمية الطموح والمنافسة.
وقفة تامل:
إذا لم يسالمك الزمان فحارب وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد وخرب فأر قبل ذا سد مأرب
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك يكر علينا جيشه بالعجائب.