«شعرة حاجب» ظنها الهلال

«شعرة حاجب» ظنها الهلال

أورد البلاذري في "أنساب الأشراف" قصة تدل على فطنة وذكاء التابعي الجليل إياس بن معاوية، قاضي البصرة، ذلك أنه خرج الناس، يلتمسون هلال رمضان، وعلى رأسهم الصحابيّ، الجليل أنس بن مالك الأنصاري، وكان يومئذ شيخا كبيرا قد قارب المائة، ومعهم القاضي إياس. يقول البلاذري: "قالوا: وتبصر هلال شهر رمضان جماعة فيهم أنس بن مالك وقد قارب المائة فقال أنس: قد رأيته هو ذاك، وجعل يشير فلا يرونه. ونظر إياس إلى أنس وإذا شعرة من حاجبه قد انثنت، فمسحها إياس وسواها بحاجبه ثم قال: يا أبا حمزة: أرنا موضع الهلال فجعل ينظر ويقول: ما أراه".
وإياس بن معاوية المزني من أهل البصرة ولد سنة 46هـ، وتوفي سنة 121هـ، أو التي بعدها. قال عنه ابن حبان: "كان من دهاة الناس". وقال أبو منصور الثعالبي: "كان قاضيا فائقا زكنا يضرب بزكنه المثل". وقال عبد الله بن شوذب: "كان يقال: يولد في كل مائة سنة رجل تام العقل. وكانوا يرون أن إياس بن معاوية منهم".
والقصة السابقة أوردها البلاذري (ت 279هـ)، ونقلها ابن خلكان (ت 681هـ) في كتابه الشهير "وفيات الأعيان"، والذي طبع وانتشر مبكرا، فنقلها بعض المؤلفين عن ابن خلكان، حتى ظن أنه مصدرها، والصواب أنه ناقل لها. ولا شك أن كتاب "أنساب الأشراف" من المصادر المتقدمة المهمة، وقد بذل فيه مؤلفه جهدا كبيرا، ولكتابه قيمة كبيرة عند العلماء المتقدمين، إلا أني لا ألحظ هذه القيمة عند المتأخرين، ولعل من أسباب ذلك تأخر طباعة الكتاب.

الأكثر قراءة