الدراويش يرقصون حول طبول الصوفية.. جبّة ومسبحة وعكاز
يرد ذكر الدراويش في المصادر العربية التي ألفت بعد القرن السادس الهجري، أما المصادر المتقدمة فلم أعثر لهم على ذكر، ما يجعل الباحث يميل إلى أن تبلور فكرة الدراويش جاء متأخرا، أما لفظة درويش المعربة من الفارسية فبالتأكيد عرفها العرب قبل ذلك. وورد في الموسوعة العربية العالمية أن "الدرويش كلمة فارسية الأصل تعني المتسول أو الشحاذ، وعند الصوفية تعني الزاهد. يعيش الدراويش حياة تقشف في مأكلهم وملبسهم ويعرف بعضهم باسم المدومين لأنهم يدورون كالدوامة يرقصون على إيقاع الطبول في حلقات الذكر التي تنظمها الصوفية.
كما يزعم بعض الناس أن الدراويش ذوو قداسة، وكثيرا ما يزعمون أنهم قادرون على عمل الكرامات، أو يزعمون قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل. وليس هذا هو ما عليه أهل الإسلام، ويسمى الدراويش أحيانا الفقراء أو النساك". ويذكر مصطفى الخطيب في "معجم المصطلحات والألقاب التاريخية"، أن مصطلح درويش دخل العربية منذ بداية العصر الإسلامي ليطلق على الزهاد أو الشحاذين، ويضيف: "تطور معناه حينما اتصل بأرباب التصوف وأصبح الدراويش طبقة معروفة في المجتمع الإسلامي تميل بطبيعتها إلى الطرق الصوفية، فأصبح لهم تكايا خاصة يقيمون فيها وينفق عليهم من الأموال الموقوفة، لكن غلبت البلاهة على طباع أكثريتهم، فتحولت عندهم أفكار المتصوفة عن السمو الفلسفي الروحي إلى شعوذات وخرافات لا أصل لها في الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية.
#2#
وفي العصر الحديث ارتبط اسم الدراويش بتاريخ السودان، حينما أطلق أتباع محمد أحمد المهدي، زعيم الثورة السودانية، على أنفسهم هذا اللقب إبان ثورتهم ضد الاحتلال البريطاني سنة 1299هـ/ 1881م، ومن الطريف أن دراويش السودان تميزوا عن غيرهم بالجبة المرقعة والعكاز والسبحة".
وفي "معجم اللغة العربية المعاصرة"، يذكر لكلمة درويش ثلاثة معان هي:
1 - زاهِد، متعبّد، وجوَّال (عند الصوفيّة).
2 - فقير.
3 - أحد أتباع طريقة إسلاميَّة زاهدة يؤدي بعضُهم رقصات دوارة وغناء قويّا كوسيلة للوصول إلى النّشوة الروحيَّة المستمدّة من التكرس للعبادة.
وللأديب العراقي أحمد حامد الصراف مقالة مهمة ومطولة نشرها في مجلة "لغة العرب" عن الدراويش، خاصة دراويش جنوب العراق الذين قابلهم وعرفهم في كربلاء وغيرها، وذكر في مقالته أنه أراد كشف حقيقتهم، ومعرفة معتقداتهم، ويقول: " وقد عنَّ لي عام 1918 أن أعجم عود هؤلاء الدراويش واطلع على معتقداتهم وآرائهم وأن أتفهم نفسياتهم وأعلم سبب تفضيلهم حياة التسول والاستجداء على العمل والجد فاتصلت بكثيرين وخالطتهم طويلا فعرفت أسرارهم ورموزهم وألقابهم وشاهدت فيهم الفاضل المهذب والعفيف الورع، وشاهدت فيهم الجاهل المغفل والخبيث السفيه. كما فيهم المعتقد بتقمص الأرواح، والمؤمن بالحلول والقائل بالتناسخ، بل فيهم الملحد المتظاهر بالدين كذبا، كما فيهم المعتقد بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه".
وأورد في مقالته معلومات كثيرة ومفصلة عنهم، وذكر أنهم يتعاطون الحشيشة بشكل سري، خوفا من الناس، وذكر أنهم لا يرون حرمته، ويوردون أبياتا شعرية تحث على تعاطيه، ووصف فنونهم في استجداء الأموال من الناس، أما عن قراءة القرآن عندهم فقال: "لا يجتمع الدراويش لذكر أو تلاوة دعاء أو ورد أو غير ذلك إلا في العشرة الأولى من المحرم".
ولا يزال الدراويش حتى اليوم منتشرين في أنحاء من العالم الإسلامي، ويغلب على كثير منهم التواكل والكسل والاستجداء، وكلها أمور مذمومة في الدين الإسلامي، والأديان السماوية، بل مذمومة في الأعراف الإنسانية. وللتنويه فقد ساد عند كثير من الكتاب الغربيين وصف الصوفية بالدراويش، وهذا غير دقيق، فما يقوم به الدراويش لا ينطبق على كل الصوفية، وإن كان الدراويش بشكل عام منضوين تحت طرق صوفية.