يستنجد بالحجاج لقتل ثقال الدم

يستنجد بالحجاج لقتل ثقال الدم

الشاعر سليمان بن علي بن مشاري (ت 1389هـ)، “راعي الداخلة”، واحد من شعراء سدير المبدعين، تستطيع أن تعتبره صورة جديدة من الشاعر حميدان الشويعر، في وضوحه وصراحته وظرافته. وأبو مشاري شاعر ظريف فكه، يحكي واقع مجتمعه بكل صراحة ووضوح، هَجَّاء من الطراز الأول، قصائده طويلة للغاية، يتجاوز بعضها مئات الأبيات، ومع ذلك لا تمل منها، تستطرد في قراءتها حتى النهاية، تستطيع أن تعتبرها رسوما كاريكاتيرية، فهي وأن كان فيها مبالغة إلا أنها لا تخلو من جزء كبير من الحقيقة، ولا تخلو من الطرافة والفكاهة.
يكره شاعرنا الثقلاء والطفيليين كرها شديدا، ولا يطيق الجلوس معهم، وابتلى ذات يوم بواحد منهم، فبينما كان شاعرنا أبو مشاري في سوق بلدته إذ صادف صديقا له من إحدى القرى المجاورة، فدعاه إلى تناول طعام الغداء معه بعد صلاة الظهر، وتفرق كل منهما إلى حال سبيله على أن يجتمعا في بيت شاعرنا بعد الصلاة. كل ذلك حدث على مرأى ومسمع من أحد الثقلاء الطفيليين، دون أن يعلما به، ولما اجتمعا بعد الظهر، وتجاذبا أطراف الحديث، إذا بهذا الطفيلي يقتحم عليهما المجلس. هذه القصة وما حدث بعد ذلك، ومشكلة الثقلاء، والحل الناجع لها، كل ذلك يشرحه لنا سليمان بن علي في هذه القصيدة:

عند الباب سمعت تغقه
ولا ندري من اللي طرقه
هو دوّاري والا مسيّر
والا ملفي من طرقه
لقيته دوار خالف
يدور بالباب خرقه
والباب محفوظ دونه
مجرا مصهود بغلقه
وأثر الغلقة ما تغلقه
دخل يمينه وملقه
ساهي والساهي نجاره
يبغى يتمه وسرقه
ما ذولا طلابه عيشه
ذولا نجاجير فسقه

وبعد أن ينتقد هذا النجار الذي لم يتقن إصلاح باب بيته، حتى صار من السهولة رفع مزلاجه، انطلق يكيل شتائمه لهذا الزائر غير المرغوب فيه:

القصد أنه رقى لمي
له عيون مثل الحققه
قلت الخبر؟ قال مسير!
قلت أنكس يا ثور علقه
أنتا لك خشر في داري
أو إسناد فيه ورقه!
قال النكسة ماني ناكس
لو تنفض راسي بفشقه
تلفت أدور عصا
ابسجه مع الفهقه
ولا لقيت إلا الهاون
والهاون ما وافى فلقه
قال ابجلس قلت امعصي
أنت قرقه ولد قرقه
اقفى يهربد على روحه
ما بين نهقه وشهقة
هذا أشين ما رأينا
هالدواري في هالسوقه
يوم التفت مع العاير
والى حسه له طبقه
يا ما سند يا ما حدر
وأسبق وأخف من السلقة
لو يسابق للوليمة
راعي موتر كان سبقه
وهنا ثقل وكراهية
من شاف معزوم لحقه
ثم نحر رأس المجلس
تربع به هو وخلقه
وضيق صدر راعي المجلس
جا في حلقه مثل العقه
ما المقصد أكله في راسه
سهل على أمر النفقة
لكن فيه طبوع شينه
ساعة يجلس وله لعقه
شف مع شينه قوة عينه
هذا قرقه ولد قرقه
الجاهل يحسبه عنتر
معه سيف وله درقه
ما يستحي ولا يثمن
وجهه مغسول بمرقه
لو في وجهه ما يصونه
عن النجري ماء دفقه
يضيق المجلس بحضوره
حتى لو هو في بلقه
اللي ثقيل بالمجلس
ثقيل حتى بالطرقه
هذا لو يدخل في وادي
وهو مخصب حت ورقه
لو يدخل في قصر عامر
طاح شنقه على شنقه
الكرف اللي هذا فعله
يا ليت الله يوم خلقه
حطه ثور عند مخضر
دايم مصلوب بعلقه
إن مدحته وإن ذميته
كله واحد ما يفرقه
لو تجعل له في فنجاله
صبر مع مر ما فرقه
تراه إلى مر الطاري
قالوا والخيبة والمحقه

لكن ما الحل لهذه المشكلة، مشكلة هذا الثقيل المتطفل، وأمثاله من الثقلاء “السوقية” الذين كانوا يشكلون ظاهرة اجتماعية سيئة أقلقت شاعرنا، الحل يطرحه أبو مشاري:

ليت هنا حجاج ثاني
ينظف عنا هالسوقه
يحط الخمسه والسته
والسبعه منهم بفشقه
الواحد ما يسوى الوحده
وخص الفشقه على الفشقه
وإن كان انه ما يبخصهم
كتبناهم له بورقه
ويبدأ باللي في ديرتنا
لو والله نعطيه عرقه
يأخذ هذا ويا هذا
ويأخذ هذا حمار النهقه
عسى الله يفرقنا منهم
ويقطع عمقهم وعمقه
ولا هنا أكثر من هالجوره
أكثر من برقا والروقه
لو فيهم خير ما كثروا
الله يمحقهم بصعقه
هم وهالزمان الفاسد
مثل حق وافى طبقه
منزوع الحياء منهم
نزع النظير من الحدقة
وهنا علم لا تحطه
على بالك ولا تهقه
إن هنا نفس تقبلهم
من جوف العمر الى علقه

وديوان الشاعر سليمان بن علي لم يطبع كاملا حتى الآن، ويوجد منه عدة نسخ خطية، إحداها بخط الراوية الشهير عبد الرحمن الربيعي.

الأكثر قراءة