يا طبيب الشمس .. كنت بحجم فيل

نثريات الخميس ــ 42

استهلال
تقف الجبال شامخة هائلة الروعة متجذرة الثبات في أعماق طبقات الأرض من ملايين السنين. ولا يبدو أمامها البشري إلا كائن لا يعني شيئا حجما، وتمر حياته في لمحة بصر. ولكن.. هذا الكائن الذي لا يعني، والذي تبرق حياته برمشة عين هو الذي حرك الجبال.

تجارب الحياة
الحياة يا ساكنة القلب ليست معقدة كما يحلو لنا أن نقول أحيانا.. على العكس الحياة بمنتهى البساطة، بكل تاريخ البشرية وأعمالها وإنجازاتها، والحياة وتكاليفها هي بمفهوم غير مكركب ولا معقد.. بسيط جدا. كيف؟ الحياة تعطيك تماما ما قدمت ليس لها، بل لنفسك. هذا هو جوهر الحياة يا ابنتي لا أكثر، ولا أقل. لذا فإن ما نظنه بأنفسنا يتحقق من الظن للواقع. أعتقد بأننا كلنا مسؤولون بأي شيء يحدث في حياة كل منا، الأحداث الحسنة، والأحداث السيئة على السواء، مهما بررنا، ومهما بدا لنا أن لا يد لنا أو أننا ظلمنا، ولكن دوما البداية كانت من طرفنا نحن. إن كل فكرة في رأسك هي التي تصنع مستقبلها، وتتجمع الأفكار لتصنع كامل المستقبل، فحتى المستقبل نشأ في أفكارك ومنها انطلق ليكون واقعا فيما بعد. كل منا هو الذي يصنع انطباعا عما وقع في الماضي كتجربة، بعضنا يستفيد بتصوره وقناعته وعمله من تجارب الماضي، والبعض يفهمها خطأ، والبعض لا يعي الدرس مهما تكرر أمامه، كله منا نحن من أصل تصورنا وفهمنا ومقتضى أعمالنا. لا مكان، لا ظرف، لا موقف، إلا الله له علاقة مباشرة بما يحدث لنا، لذا استودع الله لنا أهم مخلوقاته وأعظمها أسرارا وقوة وهو العقل لنكون هوياتنا وأحداثنا وأعمالنا، ونتحمل نحن فقط لا غيرنا مؤليتها.. فلا مكان للوم ولا العتب، إلا على النفس ذاتها.. لا أحد غيرها. تذكري ذلك حبيبتي قبل أي فكرة، قبل أي عمل، وفي أي ظرف. وتأكدي من شيء واحد أنك مؤتمنة على نفسك في كل شيء، فأحسني الحفاظ على الأمانة.
وتذكري أن أباك يحبك.

الموضوع
ضوء الشمس له تاريخ أثيل في الاستطباب والصحة، وربما كان أول مدخل لما نسميه علم الطب من أقدم قديم الأزمان. كانت الشمس مصورة لعلاج المرضى في الكهوف شمال اسكتلندا، وأنحاء بين الباسك الإسبانية وفرنسا. وكانت الشمس من أولى وسائل العلاج عند المصريين القدماء حتى إن أخناتون اعتمد الشمس إلها وحيدا، فكان أول توحيد في تاريخ المعتقدات والثيولوجيا. كما كان الإغريق القدامى يعالجون بالشمس، ومن هنا جاءت الكلمة هليوسيس، وصار إلها للشمس. وقبل أكثر من قرن من ميلاد المسيح عليه السلام، ظهر طبيب الإغريق الشهير سورانوس أفيسوس ووصف أشعة الشمس علاجا لأمراض مزمنة كالبرص، والصرع، والنزف الدموي "الهيموفيليا"، والشلل، والربو.. بل حتى إنه وصفها للسمنة لحاكم المدينة التي نقل أنه شكر الطبيب سورانوس، وقال له: كنت بحجم فيل وصرت بحجم كبش جبلي. وكذلك كان الرومان ربما الأكثر تجربة واعتقادا بالتطبب بأشعة الشمس. وسأقول لكم شيئا عن الرومان، من يقرأ في تاريخهم سيجد أن لا طبيب أبدا ظهر عندهم، والسبب أنهم لا يؤمنون بالأطباء، واتخذوا ما نسميه الآن بالطب الوقائي مسلكا ونهج حياة معتمدين أولا على ضوء الشمس حتى في هندستهم المعمارية، وسلموا من كثير من الأمراض التي تتفشى بالعدوى. متى عرف الإنسان أن ضوء الشمس يقتل البكتيريا.. قصة شيقة بدأت من العرب حتى الألمان.. ولكن أرويها بمناسبة أخرى.

وبقي شيء
حذار، حذار من تقليل قيمة المعلمين، في أي وقت، بأي زمن، ومهما راقت الأمور أم كدرت. فهم صناع المعرفة، وشموس تنير على الأرض لصحة العقول، وهم من يجهزون قدرات ذلك البشري الذي يحرك الجبال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي