هيئة الاستثمار ومستقبل المدن الاقتصادية!
من المثير للجدل أن معظم المدن القائمة في عصرنا هذا لا تحقق التنمية الحضرية لها توازنا سليما مع البيئة المحيطة، ولا هي توفر استقرارا وافيا بالنسبة للمواطنين الذين يعيشون أو يعملون فيها. وبالرغم من أن فكرة التنمية المستدامة كانت قد أصبحت فكرة معروفة وشائعة على نطاق واسع منذ أن تم إقرار الاستراتيجية العالمية للمحافظة على البيئة عام 1980م، إلا أن ما يحدث في واقع الأمر أن هذه الفكرة واليات تطبيقها قد نسيت تماما أو أغفلت أو أهملت فيما يتعلق بمعظم المدن الكبرى. كثير من المدن شاع فيها منذ زمن طويل سوء التخطيط أو عدم كفاءته، وبالأخص إدارة التنمية الحضرية (لاحقا صارت تسمى الذكية)، بل إن بعضها يفتقر في كثير من الحالات إلى وجود أي تخطيط على الإطلاق. وغالبا ما تتمثل النتيجة المترتبة على ذلك في انتشار الفقر وعدم كفاية تسهيلات الإسكان وتلوث موارد المياه أو استنزافها وتلوث الهواء، وغير ذلك من أشكال التدهور البيئي الأخرى.
لهذا السبب، فإن هناك آمالا كبيرة معقودة على دور الهيئة العامة للاستثمار وبقيادتها الشابة، وفقهم الله، فيما لها من إشراف على توجيه الاستثمار وعلى إيجاد مدن اقتصادية حديثة جاذبة، وقد يلاحظ المتابع لنشاطها ذلك، من حيث تنظيمها شركاء أكفاء في التطوير والتخطيط الحضري، وبالأخص التأثير فيهم من أجل إرساء مزيد من العلاقات السليمة المتبادلة بين المشاريع الاستثمارية المحتملة وبين البيئة الطبيعية وبيئات البناء المحيطة بها، والاعتبارات الاجتماعية والسياسية والإدارية التي تؤثر فيها وتتأثر بها، وهو ما يشكل في مجموعه النواحي الحضرية في المدن الجديدة التي تعرف باسم المدن الاقتصادية، وكذلك من أجل العمل على تطبيق معايير تلك العلاقات في وضع وتقييم الخطط والسياسات الحضرية والبيئية السليمة، الأمر الذي يستلزم تنفيذه استكشاف المجالين الآتيين على وجه التحديد:
* علاقات التفاعل بين شكل المناطق الحضرية المقامة أو المزمع إقامتها والأسواق الحضرية للعقارات والعمالة والخدمات العامة، والبنية التحتية والمؤسسات والمنظومات الحضرية الاجتماعية والسياسية، والأنماط والمنظومات البيئية الحضرية، مع مراعاة أن تكون دراسة علاقات التفاعل المذكورة قائمة على مبادئ وأسس العلوم ذات العلاقة بهوية المكان.
* سبل تطبيق الفهم الشامل لعلاقات التفاعل المذكورة في تطوير وتقييم الخطط والسياسات المتعلقة باستخدام الأراضي والإسكان والنقل وغير ذلك من البني التحتية الأخرى والبيئة ككل، مع مراعاة أن تكون تلك التطبيقات قائمة على أساس مبادئ وأسس علوم التخطيط والتصميم الحضري والموارد الطبيعية وتحليل السياسات والهندسة المدنية والهندسة المعمارية.
وفي اعتقادنا أن تولي الهيئة العامة للاستثمار، جنبا إلى جنب مع شركائها من المصالح الحكومية وغير الحكومية من شركات تطوير وخبرات استشارية وطنية وعالمية متخصصة في تصميم وتشيد هندسة البنية التحتية والإشراف على تنفيذها المشاريع العملاقة، اهتماما وافيا باستخدام الطرق والوسائل والأساليب التي من شأنها تعزيز السياسات الجديدة والاختبار التطبيقي الميداني لها، من أجل الإسهام في تطبيقاتها في نواحي التخطيط البيئي والحضري "للمدن الاقتصادية في المملكة العربية السعودية" ووضع السياسات المتعلقة بها، مع مراعاة أن تجمع تلك الطرق والوسائل بين الأساليب الكمية والكيفية على السواء وبالأخص استخدامات ما يسمى بنظم المعلومات الجغرافية.
هذا ويجدر بالذكر مراعاة تأثير هذه المدن الاقتصادية الأربع، إيجابيا أو سلبيا، خصوصا وهذه المدن قد رصدت لها تكلفة هائلة زادت على 60 مليار دولار، الهيئة العامة للاستثمار (سيجيا)، وبالرغم من قصر فترة الإعلان عن مشاريعها نجحت باستقطاب كل ذلك، وبالتالي على الجميع تكريس الجهود لدعم نجاح التجربة في هذا المجال، فما قامت به الهيئة يشكل إضافة معرفية مهمة يجب الاستفادة منها في توجيه الإمكانات المادية والمواد البحثية اللازمة لتحقيق أهداف ناجحة، بإذن الله، صالحة لنمو هذا الوطن الكريم وليكن في مصاف الدول الرائدة.