المدرب .. والسباك

في أمريكا، يعتقد الغالبية أن لاعب كرة السلة مايكل جوردان واحد من أعظم ثلاثة رياضيين في تاريخ تلك البلاد الكبيرة. تلك الحقيقة لا تمنع الأمريكيين أنفسهم من تداول المثل الشهير: "حتى مايكل جوردان يحتاج إلى مدرب". الحكمة الأمريكية تحفظ للاعبهم العظيم حجمه التاريخي كاملا، وتمنح المدرب - أي مدرب - قيمته الوظيفية الحقيقية. فمن هو المدرب؟ من هو هذا الموظف الذي لا يستغني عنه جوردان بكل مهاراته وروعته وتاريخه؟.
المدرب عامة هو رجل يقوم بنقل محتوى منهجي وفق أساسيات وطرق علمية، تستثمر القدرات الفردية المتوافرة وتسخرها لمصلحة العمل. المدرب في الرياضة هو أسرع رجل يفقد وظيفته في العالم، موظف لا يستقر في مكان حتى يحزم حقائب الرحيل مودعا الدار، ومستشرفا بلادا جديدة وبيئة جديدة. بين البيئات والأمكنة هناك الكثير من المتغيرات التي قد تمدد فرص البقاء، وقد تعجل بها. فكيف تختار المدرب المناسب وسط طوابير المغادرين والقادمين؟.
.. هناك صفات أساسية للمدربين يجب أن تتوافر في كل منهم، وتختلف قوة كل عنصر بين مدرب وآخر بحسب عوامل الخبرة والقياس والتجارب، والعلم، وهذه الصفات المشتركة، هي: التعليم، القدرة على الاتصال اللفظي وغير اللفظي، المشاركة، الإبداع، الابتكار، القياس، القيادة، الثقة، تقبل الآراء، الإنصات. وهي صفات تنقسم بين مكتسبة وفطرية ويندرج تحتها بعض التفرعات، ومن هنا تحدث الفروق بين المدربين، أما المدرب الناجح في كرة القدم تحديدا، فلا يمكن تأطيره بصفات قالب جامد يمكن نقله في أي مكان وضمان النجاح.
.. المدرب المناسب لأي فريق في كرة القدم، هو رجل مناسب يأتي في اللحظة المناسبة لأي فريق، واللحظة المناسبة تتحكم فيها عوامل كثيرة، كالتاريخ، الحاضر،والأدوات وملاءمتها للمرحلة، وشخصية المدرب وبقية أعضاء الفريق الإداريين والفنيين. لذلك لا يمكن أن تعيد مدربا ناجحا خلال فترة زمنية ما، في حقبة زمنية جديدة وتعتقد أن نجاحه مضمون فاللحظة المناسبة قد ذهبت.
الأمثلة على ذلك كثيرة، البرازيلي كارلوس ألبرتو بيريرا نجح نجاحا كبيرا مع المنتخب السعودي في عام 1988، عاد بعد عشرة أعوام كاملة عام 1998، وأقيل بعد مباراتين فقط، لأن اللحظات المناسبة التي توافرت في المرة الأولى لم تكن هي ذاتها في الفترة الثانية.
مدربون كثر قادوا أندية سعودية، غادروا والجماهير تخلع عليهم لقب "السباك"، بكل جدارة، رغم أنهم يحملون من القدرات والتاريخ والطموحات ما يكفي لاحترامهم، من هؤلاء مدرب الهلال السابق جورج ليكنز، مدرب الأهلي فيتور بيريرا، ومدرب الاتحاد الحالي بولوني، مدربون يحملون ملفات مهنية عالية، ولم يحققوا النجاح، بسبب أنهم أتوا في اللحظة غير المناسبة.
.. من هنا، حري بمسؤولي الأندية أن يدرسوا واقع أنديتهم جيدا قبل قراءة السيرة المهنية لأي مدرب، وعندما يُلمون بها تماما ويحيطون بتفاصيلها، ويعرفون ماذا يريدون من هذه المرحلة، وما هي أهدافهم وأدواتهم، عندها يستطيعون اختيار المدرب المناسب في الظرف الزمني الآني. ما سوى ذلك، هو مغامرة غير مهنية على طريقة "يا تصيب.. يا تخيب".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي