هل زيادة الرواتب خيار إذا واصل الدولار الهبوط؟
في مقالي السابق بعنوان "هل ارتباط الريال بالدولار خيارنا الوحيد؟" سألت فيه عن إمكانية الاستفادة من تجربة دولة الكويت التي سبق لها عام 2003 التخلي عن ربط عملتها بسلة العملات واستبدلت ذلك بربطها بالدولار بدلا من سلة العملات، وفي أيار (مايو) من هذا العام قررت التخلي عن ربط عملتها بالدولار، والعودة مرة أخرى لربط عملتها بسلة عملات بقصد حماية مواطنيها واقتصادها من ارتفاع تكاليف الواردات وزيادة التضخم في ظل ضعف الدولار المستمر.
في مقال للدكتور أنس الحجي عن الدولار، أشار إلى أنه لا يحبذ تغيير سعر صرف الدولار ولا التحول لسلة العملات وأن "أي دولة خليجية تستطيع الاستفادة من تجربة الكويت، إلا أن تكاليف التحول لسلة العملات ستكون عالية جداً، وقد لا تأتي ثمارها لأن نجاح التجربة في الكويت لا يعني بالضرورة نجاحها في دولة أخرى"، من دون أن يشير إلى عوامل مقومات نجاح التجربة في الكويت غير المتوافرة لدى الدول الأخرى!
بينت دراسة حديثة قام بها موقع (بيت دوت كوم) عبر الإنترنت أن تكاليف المعيشة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الـ 12 شهراً الماضية ارتفعت إلى 24 في المائة مقارنة بنسبةً زيادة الأجور التي قدرت الدراسة ارتفاعها بنسبة من 15 إلى 21 في المائة خلال 24 شهراً الماضية، وأن معدلات زيادة الأجور هذه تجاوزت حدود التوقعات في دول الخليج.
إن استمرار تدهور سعر صرف الدولار المتواصل أدى إلى تعظم زيادة التضخم المستورد في اقتصاد دول الخليج، ونشأ عنه تحول الكويت بالرجوع إلى سلة العملات لتحديد سعر صرف الدينار بدلا من ربطه بالدولار، وتمسك مؤسسة النقد السعودي بالإبقاء على ارتباط الريال بالدولار وعدم تغيير سعر صرف الريال أمام الدولار، والإمارات باستمرار التزامها بسياسة ربط الدرهم بالدولار دون رجعة عن قرار الارتباط بالدولار، الذي يحقق لها الكثير من المزايا والفوائد التجارية حسب قول المسؤولين الإماراتيين، وترى أن سياسة ربط عملتها بالدولار هي الأنسب لاقتصادها الذي يستفيد من جراء صادراتها للسلع غير النفطية التي تمثل الجانب الأكبر من صادراتها وجزءا مهما في استراتيجيتها للنمو وهي تجني فوائد جمة من ضعف الدولار.
إنه ليس من المستغرب، بل من البدهي أن لكل دولة من دول المنطقة سياستها ومصالحها المستقلة، ومن أوليات سياساتها المحافظة على هذه المصالح في سبيل رفاهية مواطنيها وشعوبها، والمثال على ذلك بتحول الكويت إلى سلة العملات، والإمارات بتمسكها بربط عملتها بالدولار من أجل مصالحها العليا التي تتطلب ذلك، وعدم تأثر مواطنيها جراء ذلك بفضل مستويات دخولهم المرتفعة، مقارنة ببقية دول الخليج، ما ساعد مواطنيها على تحمل تذبذب أكبر لسعر صرف الدولار، وبعكس بعض دول الخليج الأخرى التي يعاني مواطنوها من ضعف مستوى دخل الفرد مقارنة بالإمارات، إضافة لضعف عملتهم جراء ربطها بالدولار في الوقت الحاضر.
مما لا شك فيه أن سياسية التمسك بربط الريال بالدولار لها فوائدها ومساوئها وتكاليفها، ولكن المواطنين يلمسون فقط المساوئ في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتكاليف المعيشة بشكل كبير أدى إلى تدهور المستوى المعيشي لشريحة لا بأس بهم من أفراد المجتمع، الذين يعانون أصلا من مأساة انهيار سوق الأسهم السابقة، وانعكس ذلك على القدرة التنافسية لكثير من دول المنطقة وهي في سعيها لاجتذاب الاستثمارات والشركات والأعمال.
بعد كل ما تم ذكره من مساوئ من جراء ربط الريال بالدولار وعدم تغير سعر صرفه أمام الدولار، هناك بعض الاستفسارات التي تطرح نفسها هنا: إلى ماذا سيؤول الوضع في حال هبوط سعر الدولار من 5 إلى 10 في المائة؟ (الذي يعده الاقتصاديين مستوى مقبولا في الوقت الحاضر)، وهل يتحمل الوضع التمسك بسياسية عدم تغيير ارتباط الريال بالدولار أو عدم تغيير سعر صرفه أمام الدولار؟ أم الاتجاه لزيادة الرواتب كخيار جاهز إذا واصل الدولار هبوطه؟