التنمية بين البطانة ومؤسسات اتخاذ القرار

[email protected]

تنجح إدارة التنمية وتحقق خيرها عندما تتوافر لها مختلف المقومات المادية والبشرية. ويعد العنصر البشري المفتاح الحقيقي لتحقيق التنمية وانتشارها ووصول خيرها إلى مختلف فئات المجتمع ومناطقه بشكل متوازن، ولهذا فإن اختيار الأشخاص القادرين على تحقيق هذا التوازن يخضع للعديد من المتطلبات الأساسية, لعل من أهمها: الكفاءة, النزاهة, والاستقامة, ثم تتبع ذلك الثقة, الولاء, والانتماء وغيرها من الصفات الحميدة التي تعكس أخلاقيات الإدارة والقيادة.
إلا أننا في عالمنا الإداري نعاني ما يسمى البطانة، والبطانة مدلول إداري ما زال غير مدرج في القاموس الإداري العالمي، وهو يعادل المستشارين والخبراء وأصحاب الرأي والحل والعقد في المصطلح الإداري العالمي، ولكن شاغليها عندنا لهم صفة الديمومة والاستمرارية والتوريث، ولهذا فإن المستشار يعرف بأنه شخص انتهت به الأيام في مكتب جانبي يسمع القرارات والأصوات التي تصدر من المسؤول ولكنه لا يقابله ولا يستشيره، يتسلم جرائده اليومية ويتمتع بسوء استغلال الوقت وشرب الشاي وإشغال العاملين بكثرة اتصالاته وزياراته ومتابعته بعض المصالح العائلية أو الخاصة.
أما البطانة فتعرف بأنهم أولئك الجماعة, التي نسأل الله لهم الصلاح والاستقامة، وإن كان الأصل أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا وهم طاقات صالحة ومؤتمنة، ولكن طرق الوصول إلى البطانة تشوبها أحيانا بعض الشوائب ويضطر صاحبها إلى سلوك أساليب ووسائل غير سليمة أو قانونية في بعض الأحيان لكي يصل إلى تلك المكانة ويحافظ على ديمومة بقائه ومد جذوره فيها.
إن أكثر ما يميز البطانة هو استخدام الكلمات الإيجابية التي لا تدل على عدم الاعتراض أو التأخير في تنفيذ الأوامر ولا تجيد إبداء الرأي الذي ينور الطريق للتفكير والاسترشاد مخافة فقد المكانة، يقابلها في الطرف الآخر استخدام الكلمات السلبية والتسفيه للآراء والأفكار للآخرين، ولهذا نجد البطانة تقع بين المسؤول وبقية العاملين، هذه البطانة مصالحها الخاصة ورغباتها الذاتية تسبق المصلحة العامة وحاجة الوطن ومتطلباته بغض النظر عن تأثيرها فيه ، وتتميز البطانة أيضا باستخدام جميع الوسائل والأساليب والقوى المتاحة باسم المسؤول.
البطانة فئة يفترض فيها أن تكون شكلا من أشكال تقديم المشورة في القضايا الوطنية ولكن لطبيعتها وحرصها على الوجود على مختلف الأصعدة واطلاعها على كل صغيرة وكبيرة ولهذا فإنها تنتقل من العلاقة الرسمية إلى التدخل في الأمور الخاصة وتحتكر الأمر والنهي والتغيير وإصدار القرارات وتطبيقها وفقا لمصالحها.
إن البطانة ليست مجموعة من المستشارين ذوي الكفاءة والقدرة العلمية أو النزاهة، وإنما يملكون بعض الصفات الجسمية والنفسية القادرة على التكيف مع مختلف الأوامر والتوجيهات، ولهذا فإنها تصبح خطيرة عندما تترك تتمكن وتتأصل لأنها تبني منهجاً من الخطط والاستراتيجيات المعقدة يصعب تجاوزها أو تغييرها، وتؤثر بشكل مباشر في التركيبة الاجتماعية لمجتمعها.
إن البطانة متى ما تمكنت من جسد الأمة أصبحت المحرك له وتتمركز جهودها على مصالحها الخاصة التي في الغالب تتعارض مع مصالح المجتمع والدولة بشكل عام.
إن البطانة ونتيجة لتوطنها وسيطرتها على منافذ القرار ووجودها الدائم معه واستعمالها كل ما هو متوافر ومتاح من الوسائل المسموح بها وغير المسموح بها للوصول إلى مبتغاها وتخطي العقبات التي تقف في وجهها وبما يضمن لها الوصول إلى منطقة الأمان، وبوصولها إلى منطقة الأمان تبدأ مرحلة الاستقرار وتثبيت الجذور، ولهذا فإنهم لا يهتمون بالأمور التي تهم الوطن ومصيره فتراهم يزدادون جهلا بالسياسة الداخلية والخارجية ومتطلبات المجتمع والتطوير، وفي المقابل تزداد معرفتهم بالتجارة والصناعة والبنوك العالمية وغيرها من الأمور التي لا تهم مجتمعهم ولا تتفق مع الدور المطلوب منهم مع بقاء أعينهم مفتوحة ورجالهم مستيقظين لأي تجاوز يمكن أن يحدث ويصل إلى المسؤول لأن المطلوب بقاؤه بعيدا عن أي من القضايا التي تهم مجتمعه وتحقق له النماء والبقاء والازدهار والديمومة.
إن المطلوب للوصول بالعمل الوطني إلى المستويات المطلوبة التي تحقق له ما نصبو إليه جميعاً من تكامل وازدهار وتنمية متوازنة ومستمرة هو الخروج من نظام البطانة إلى نظام المؤسسات العامة ومراكز الدراسات واتخاذ القرار والرأي المشترك والعمل الجماعي البعيد عن المصالح الخاصة والنظرة السلبية الأنانية القاصرة التي تنطلق من مبدأ " أنا ومن بعدي الطوفان".

وقفـة وتأمـل:
"قال عمر بن عبد العزيز, رضي الله عنه, في خطبة له: من أراد أن يصحبنا فليصحبنا بخمس: يوصل إلينا حاجة من لا تصل إلينا حاجته، ويدلنا من العدل على ما لا نهتدي إليه، ويكون عوناً لنا على الحق، ويؤدي الأمانة إلينا وإلى الناس، ولا يغتب عندنا أحداً، ومن لم يفعل فهو في حرج من صحبتنا والدخول علينا".

شهركم مبارك وتقبل الله منا ومنكم صيامه وقيامه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي