إيزابيل الصحراء .. مغامرة أوربية مسلمة باسم فارس عربي
كاتبة وصحافية ومستكشفة ومغامرة سويسرية من أصل روسي، حملت الجنسية الفرنسية بعد زواجها من فرنسي مسلم اسمه سليمان. ابتعدت منذ سنوات شبابها الأولى عن الأوروبيين وحضارتهم، وعاشت مسلمة، واختارت أن تتزيا بزي رجل بدوي، لقبها البعض بفارسة الصحراء، وفارسة الرمال.
عاشقة للعرب وتاريخهم وتراثهم وفروسيتهم، تولعت بصحرائهم، وتمثلت العادات العربية، واعتنقت الإسلام. تركت سويسرا وعاشت في الصحراء العربية بين الجزائر والمغرب، لتجرفها السيول وتموت في الأرض التي عشقتها، مخلفة لنا مذكرات عثر عليها ضابط فرنسي بعد غرقها، كانت جزءا من قصة أشبه ما تكون بحبكة درامية رائعة. سر غريب وراء هذه المرأة التي تسترت بلباس واسم فارس عربي.
#2#
اسمها الحقيقي هو إيزابيل ابرهارت، واسمها المستعار الذي عرفت به خمس سنوات أمضتها في صحاري المغرب والجزائر هو محمد سعدي.
قصة هذه المغامرة المستكشفة تكشفها لنا ادموند شارل رو في كتابها "إيزابيل الصحراء"، الصادر في باريس عام 2003م. ومؤلفة هذا الكتاب هي رئيسة أكاديمية الغونكور التي تمنح الجائزة الأدبية المعروفة. كانت زوجة لوزير داخلية فرنسا الأسبق الراحل غاستون دوفير، وقدمت العديد من الكتب. وكانت لفترة مديرة لمجلة فوغ الشهيرة. كما يوضح تفاصيل قصة حياة إيزابيل الصحراء مؤلفا كتاب "الرحلة الصوفية لإيزابيل ابرهارت"، الصادر في باريس عام 2008م، وهما ماري أوديل دولاكور، وجان رونيه هولو، المهتمان بسيرة وأعمال إيزابيل ابرهارت. وسبق لهما وأنجزا عدة كتب عنها. وقد أشرفا معا على إعادة نشر مجمل أعمال إيزابيل ابرهارت. وعملا طيلة 20 عاما على اكتشاف خبايا سيرتها.
#3#
###النشأة:
حياة إيزابيل ابرهارت التي عاشتها كما أرادت، قصة حقيقية تبدو أقرب إلى النسج الروائي منها إلى الواقع. تبدأ القصة منذ ولادتها في 17 فبراير 1877. في ذلك اليوم وضعت أمها الروسية الارستقراطية ناتالي دو مويردر، زوجة الجنرال الثري الذي كان عمره يتجاوز ضعف عمرها. لكنه لم يكن والد المولودة الجديدة، ويقال إن والدها هو مربي أطفال الأسرة ألكسندر نيكولافتش تروفيمفسكي، الشاب الوسيم، هناك من يرى أن والدها هو الشاعر الفرنسي آرثر رامبو. ثم انتقلت صغيرة مع والدتها للعيش في سويسرا. عاشت إيزابيل في هذا الجو، دون أن يعرف أحد الشيء الكثير عن تلك الفترة من حياتها. ومما لفت أنظار من حولها في تلك الفترة، أنهم رأوها وهي ترتدي لباس فارس عربي.
#4#
###الإسلام والانتقال للصحراء:
اعتنقت الإسلام بعد ذلك ثم انتقلت عام 1899 من سويسرا ورغد العيش فيها إلى الصحراء في الجزائر والمغرب، ومن عالم أمها التي كانت قد عاشت وهي طالبة في روسيا القيصرية أجواء التمرد المتكررة التي كان يقوم بها الطلبة الروس إلى عالم الصحراء، حيث وجدت رفقتها الجديدة لدى الأطباء العسكريين والضباط الأوروبيين الذين كانوا يعملون في المشاريع الأوروبية لمنطقة شمال القارة الإفريقية. لقد كانت ترى في هؤلاء جميعا مجرد رفاق، لكن هذا لا يمنع المؤلفة من التأكيد على أن بعضهم قد عاش معها بعض المغامرات العاطفية، مع ذلك ذهبت في مغامرتها العربية الإسلامية إلى نهايتها، حيث تزوجت من ضابط صف متواضع اسمه سليمان، الذي تصفه المؤلفة بقولها: "الحب الكبير في حياتها وربما الحب الوحيد". ربما أرادت بذلك أن تؤكد انتماءها لمحيطها الجديد، وربما كانت تبحث عن الحب الحقيقي المطلق، مع هذا الجندي العربي، الذي يحمل الجنسية الفرنسية. أخذت بارتداء زي الفارس العربي، الرجل، واختارت لها اسما عربيا مذكرا هو محمد سعدي. كانت تحب نفسها بتلك الثياب العربية، وثياب البدو. ما الذي يدفعها لذلك؟ هل هو الصحراء العربية، أم الثقافة العربية أو الدين الإسلامي، أم حب المغامرة، أم الهروب من ماض لا تريده، أم هو المناخ والجو؟ كتبت في مذكراتها تقول:
"سأعيش بدوية طوال حياتي، عاشقة للآفاق المتغيرة والأماكن البعيدة غير المستكشَفة".
تبدو إيزابيل ابرهارت "إيزابيل الصحراء" كما تدل كتاباتها اليومية التي تركتها، وبالأصح ما تم العثور عليه منها بعد وفاتها المبكرة، بأنها كانت تملك موهبة المحقق الصحافي الذي يدون أقل التفاصيل، وتقدم الواقع كما هو دون أن تضيف عليه آراءها ومشاعرها، تقدمه كشاهدة حتى لو كان هذا الواقع بعيدا عن أهوائها أو كان ضدها. وتذكر إدموند شارل رو بأن إيزابيل كانت بعيدة تماما عما كان يسود آنذاك من خلط بين مصالح السياسة والمال. إن الصورة التي تقدمها إدموند شارل رو للمرأة الشابة، صورة تقارب صور الأبطال الأسطوريين.
###وفاتها غريقة:
توفيت إيزابيل الصحراء عام 1904، وهي في السابعة والعشرين من عمرها، بعد أن جرفتها مياه أحد الأنهار التي فاضت فجأة على الحدود بين المغرب والجزائر. كانت كتاباتها معها، وقد جمع الجنود الفرنسيون بعضها بعد الفيضان.