هيمنة الدولار الرقمي .. هل تستنهض أوروبا؟
لم يعد بإمكان أوروبا الاستمرار على حالها وعليها أن تتخذ خطوات كي لا تترك الساحة للولايات المتحدة والصين
- وحدة اليورو المنقوصة عائق يجب تذليله واستحداث نظام مدفوعات مشترك
الخلاصة
يشهد القطاع المالي الأوروبي تطوراً كبيراً في تقنيات البلوكتشين والعملات المستقرة، مع استعداد بنوك كبرى لإطلاق عملة مستقرة مقومة باليورو. البنك المركزي الأوروبي يقترب من إصدار اليورو الرقمي لتعزيز الاستقلال المالي وتقليل الاعتماد على شبكات دولية مثل فيزا وماستركارد، وسط منافسة جيوسياسية مع الصين والولايات المتحدة.
يشهد القطاع المالي الأوروبي كثافة في تجارب تقنية بلوكتشين، وتطلق شبكة "سويفت" المصرفية خطة استحداث سجل موزع، كما تتجهز 9 بنوك، منها "آي إن جي غروب"(ING Groep) و "يونيكريدت"(Unicredit)، لانطلاق عملة مستقرة مقومة باليورو.
يقترب اليورو الرقمي الذي أصدره البنك المركزي الأوروبي من الظهور، وكذلك التسوية بين البنوك عبر تقنية "بلوكتشين". وقد يفهم لماذا قد يظن من عايشوا حالة أن "بيتكوين" سيئة و"بلوكتشين" جيدة في 2015، أنهم دخلوا في آلة الزمن التي روى عنها "إتش جي ويلز".
هل عاد الخوف من تفويت الفرص من جديد؟ ربما. ما تزال العملات المستقرة تُستخدم على نطاق واسع لتداول رموز مضاربة أكثر مثل "بيتكوين"، حتى مع توقع "سيتي غروب" إصدار ما يصل إلى 4 تريليونات دولار من العملات المستقرة بحلول 2030.
لكن هناك ذئاب حقيقية على الأبواب، مع تعطش وادي السيليكون لشريحة أكبر من التمويل تمتد إلى الذكاء الاصطناعي. لقد هيأ تنظيم العملات المشفرة فرص المنافسة، وأطلق آلاف العملات المستقرة. وحتى لو تأمل مُقرضو التمويل التقليدي سراً ألّا يعود أي منها إلى الواجهة، فإنهم قلقون أيضاً من تفويت فرصة اللحاق بالركب الرقمي وتسرّب مزيد من الإيرادات إن لم يشاركوا.
حروب باردة وساخنة تواجهها أوروبا
لكن بالنسبة لأوروبا، يُمكن القول إن التحول الأكبر جيوسياسي. قد أتاح زحف النقد الرقمي فرصةً للتخلص من الاعتماد على شبكات مثل "فيزا" و"ماستركارد"، اللتين يعدهما البعض سبل تنمر يماهي أسلوب ترمب، بينما يُحفّز قرب الطائرات الروسية المُسيّرة التركيز على القوة.
في غضون ذلك، تتطلب حرب المدفوعات الباردة أسلحةً جديدة، حيث تتعارض خطة اليوان الرقمي الصيني مع تصميم البيت الأبيض على الحفاظ على هيمنة الدولار عبر العملات المستقرة.
في الأسبوع الماضي، حذّرت أجنيس بيناسي-كوير، المسؤولة في بنك فرنسا، أن منطقة اليورو ليست بمنأى عن "الدولرة الرقمية"، وقارنت بين حصة "تيثر" و"سيركل إنترنت غروب" وهي 90% من سوق العملات المستقرة وحجمها 255 مليار دولار باحتكار "فيزا" و"ماستركارد" الثنائي.
بالنسبة لقارةٍ تزخر بالبنوك وتعاني من تأخرٍ في مجال التقنية، هذا الأمر دعوة للتحرك. قال فلوريس لوجت، المدير التنفيذي في بنك "آي إن جي"، الذي يقود أحدث جهود بنكه في مجال العملات المستقرة في حالات استخدام محتملة مثل قطاع السفر، وفيه تكون المدفوعات تكراراً عبر عدة بنوك مراسلة: "إذا لم تُبادر أوروبا بالابتكار، فسيفعل ذلك آخرون". يضيف أن فوائد التعاون مع بنوك أخرى تكمن في وضع المعايير والحفاظ على ثقة العملاء.
تخطي مخاوف الخصوصية
هذا يُفسر أيضاً سبب مضي البنك المركزي الأوروبي قدماً في إصدار اليورو الرقمي مركزياً، رغم مخاوف المستهلكين بشأن الخصوصية ورفض من يعتقدون أن نموذجاً كالأمريكي يركز على العملات المستقرة الخاصة سيكون كافياً.
يمكن أن يكون هذا بمثابة حافزٍ للقطاع المالي لترتيب أموره التقنية والاستعداد للتغيير على عدة مستويات، من تجارة الجملة إلى تجارة التجزئة، وإلا فإنه يخاطر بأن يخسر مزيدا لمصلحة الولايات المتحدة والصين.
يمكن أن يكون بمثابة حجر أساس نحو اتحاد مدفوعات أوروبي أكثر تكاملاً. ويمكن أن يُوفر خياراً احتياطياً للمال العام في عالم بلا نقد. إن وصف اليورو الرقمي بأنه حل يبحث عن مشكلة مخاطرة بتكرار أخطاء الماضي- في 2014، عندما أطلقت شركة "أبل" خدمة "أبل باي"، وُصفت هي الأخرى بأنها حل يبحث عن مشكلة. إن التوقيت هو العامل الحاسم.
من هنا يأتي السيناريو المتفائل أن هذه المرة قد تكون مختلفة تماماً. يكتب كينيث روجوف في كتابه "دولارنا، مشكلتك": "يسيطر اليورو بالفعل على حصة سوقية كبيرة. إذا تطور اليورو الرقمي خلال فترة تزداد فيها أوروبا تماسكاً بينما تتراجع الولايات المتحدة، فقد يصبح احتمال توسيع اليورو الرقمي نطاق هذه العملة أمراً واقعاً فجأة".
مع ذلك، تنطبق التحذيرات المعتادة. فالمال يميل إلى الفشل، وكذلك ربط العملات وتجارب "بلوكتشين". وقد تكون العواقب غير المقصودة للتغييرات الجذرية صدمات أكبر مقبلة. لعله جيد أنه مقابل كل تجربة جذرية في ”بلوكتشين“، توجد خطط أبسط لتحديث المدفوعات التقليدية، ما يجعلها أسرع وأرخص وأكثر توافقاً.
ربط أنظمة الدفع الأوروبية
قال يواكيم سامويلسون، من شركة "كرانشفيش "(Crunchfish) للمدفوعات، إن المستقبل الحقيقي للمال قد يكمن في ربط أنظمة الدفع الفوري الوطنية والإقليمية الحالية، مثل "بيكس "(Pix) البرازيلية، و"يو بي آي "(UPI) الهندية، ومنطقة اليورو، دون وجود تقنية ”بلوكتشين” في الأفق.
لن تُعوّض أي كمية من الأصول الرقمية الثغرات الصارخة في اتحاد اليورو غير الكامل، إذ ما تزال اندماجات البنوك عبر الحدود تُثير استياءً سياسياً، وكذلك غياب التوافق في الآراء بشأن الديون المُصدرة بشكل مشترك.
لكن نظام مدفوعات سيادي أكثر حداثة، يُبنى جنباً إلى جنب مع شركات مثل "ريفوليوت "(Revolut) و“كلارنا "(Klarna)، قد يُعزز نقاط قوة أوروبا. لم يعد مفهوم "بتكوين" سيئاً و"بلوكتشين" جيداً كما كان في السابق.. وهذا ليس أمراً سيئاً.
كاتب رأي في بلومبرج. يكتب عن آراء خاصة حول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا،
خاص بـ"بلومبرغ"