البنك الدولي والسعودية.. شراكة التحولات الاقتصادية

بينما تحتفي المملكة العربية السعودية بيومها الوطني، نُشاركها نحن في مجموعة البنك الدولي هذا اليوم عبر الإشادة بالإنجازات البارزة التي حقَّقتها السعودية وشعبها. وتُعَدُّ هذه المناسبة فرصة ثمينة للتأمُّل في المسار الطموح الذي قطعته السعودية في سبيل النهوض باقتصادها ومجتمعها، مدفوعة بروح راسخة من الوحدة والرؤية المشتركة للمستقبل.
كما تُتيح لنا هذه المناسبة الفرصة للاحتفاء بشراكتنا طويلة الأمد مع السعودية، وهي شراكة مبنية على الثقة المتبادلة، وتستند إلى رؤية مشتركة، وإلى التزام راسخ بدعم مسار التنمية التحويلية. وعلى مدار العقود، واصل تعاوننا مع السعودية مسترشدين برؤى مشتركة وتوافق إستراتيجي مع أولويات التنمية.
لقد كانت رحلتنا مع السعودية طويلة وزاخرة بالإنجازات، وهي تمتدُّ لعقود بدأت في أغسطس 1957، حين انضمت السعودية إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير(IBRD)، المعروف أكثر باسم البنك الدولي. وقد أعقب ذلك انضمامها إلى المؤسسات الـ4 الأخرى التابعة لمجموعة البنك الدولي، في خطوة تبرز رؤيتها الاستشرافية والتزامها الراسخ بالتقدم الاقتصادي على الصعيد العالمي. وفي سبعينيات القرن الماضي، أسهمنا في دعم مبادرات تنموية رئيسية من خلال مشاريع للمساعدة الفنية شملت مجالات النقل، وتخطيط القوى العاملة، وبرامج لمحو الأمية، وتحسين مرافق الحج والعمرة، فضلاً عن دراسات جدوى لمشروع الجسر البري السعودي-البحريني.
وقد أرست هذه اللبنات الأولى من التعاون أسُس علاقة أعمق، تُوِّجت بتوقيع مذكرة تفاهم لاتفاقية بشأن برنامج تعاون فني مشترك في ديسمبر 1975، وافتتاح مكتب بعثتنا المقيمة في الرياض. ونحن نحتفي هذا العام، وبكلِّ فخر، بالذكرى الـ50 لهذه المحطة المفصلية في مسار شراكتنا.
فما بدأ قبل 50 عامًا كبعثة مقيمة تضمُّ أربعة خبراء فقط، نما ليُصبح مكتبًا إقليميًّا يُعنى بدول مجلس التعاون الخليجي. واليوم، بات هذا المكتب، الذي يرأسه مدير إقليمي، يضمُّ أكثر من 50 كادرًا مهنيًّا يساندون مبادرات القطاعين العام والخاص في السعودية، وعبر دول مجلس التعاون الخليجي.
يُعَدُّ تطور السعودية منذ ذلك الحين من أبرز قصص النجاح في هذا العصر، لا سيَّما خلال العقد الماضي، ونحن نفخر بكوننا جزءًا من هذه المسيرة. وبصفتها أول دولة تستعين بخدمات البنك الدولي الاستشارية مستردة التكلفة(RAS)، المصمَّمة خصيصًا للدول الأعضاء ذات الدخل المرتفع، استفادت السعودية من هذا الدعم الفني والاستشاري في وضع الإستراتيجيات، وإطلاق الإصلاحات، وتنفيذ البرامج في عديد من القطاعات الحيوية.
لقد أدَّت مجموعة البنك الدولي دورًا محوريًّا في دعم مسيرة السعودية نحو تحقيق رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، من خلال عُرى تعاون امتدَّت لتشمل معظم القطاعات، بدءًا من تنويع الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار، وإصلاحات سوق العمل، والتنمية الرقمية، ووصولاً إلى تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، ورفع جودة الرعاية الصحية والتعليم، وتحسين السلامة على الطرق، وتطوير التنمية الحضرية، وتعزيز السياحة المستدامة. وفي حين أنَّ أثر شراكتنا ملموس في عديد من المجالات، أودُّ أن أسلط الضوء على 3 أمثلة بارزة على ما نُقدِّمه من دعم:

  • التمكين الاقتصادي للمرأة: أسهم البنك الدولي في تعزيز الإصلاحات التي مكَّنت المرأة من المشاركة بشكل أقوى في سوق العمل. وقد أسفر ذلك عن نتائج استثنائية ملموسة، حيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 2في 2019 إلى 34% في 2024، ما يبرز تحولاً نوعيًّا في تمكين المرأة اقتصاديًّا.
  • التنمية الرقمية – الحكومة الإلكترونية: ساند البنك الدولي التحول الرقمي الحكومي في السعودية منذ 2019، ما أسهم في رفع تصنيف السعودية في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة من المرتبة 52 في 2019 إلى المرتبة 6 في 2024. وقد أثمرت هذه الجهود عن إعداد أبحاث وأطر عمل مشتركة. هذا ويأتي استثمار السعودية البالغ 25 مليار دولار في 2025 في البنية التحتية الرقمية، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والمهارات الرقمية ضمن مساعيها لتعزيز خلق فرص عمل مدفوعة بالتكنولوجيا وترسيخ مكانتها كمركز تقني إقليمي.
  • نظام الحماية الاجتماعية: قدَّم البنك الدولي خدمات استشارية ومساعدة فنية لدعم تعزيز نظام الحماية الاجتماعية في السعودية، الذي يُعَد اليوم من أبرز الأنظمة الحديثة لتقديم الخدمات الاجتماعية على مستوى العالم.

وتعود المنفعة من هذه الشراكة على كلا الجانبين؛ إذ وطَّدت السعودية علاقتها مع مجموعة البنك الدولي لتصبح أكبر مساهم عربي وواحدة من أبرز 20 جهة مانحة منذ انطلاق هذه الشراكة، مساهمةً بذلك في دعم التنمية العالمية ورسم ملامح مستقبل التعاون الدولي. وبصفتها إحدى الدول الرائدة في المنطقة، تضطلع السعودية بدور فاعل في تعزيز جهود التنمية، من خلال مبادرات نوعية مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وأكاديمية سوق العمل العالمية، ومنظمة التعاون الرقمي، وغيرها.
وفي ديسمبر الماضي، وقَّع رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، اتفاقية مع الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي لإنشاء أول مركز معرفي (K-Hub) مشترك بين مجموعة البنك الدولي و السعودية، وذلك بالشراكة مع المركز الوطني للتنافسية (NCC) في الرياض. ويُعَدُّ هذا المركز منصة عالمية لتبادل الأفكار، والخبرات، وأفضل الممارسات، بهدف التصدي لأبرز التحديات التنموية، مع تعزيز مشاركة السعودية لتجاربها التحويلية على الصعيد الدولي ومواصلة استفادتها من الخبرات والتجارب العالمية.
ومع استشراف الـ50 عامًا المقبلة، ينبغي أن تتَّسم شراكتنا بالتوسع والإقدام. السعودية، بموجب رؤية 2030، تُعيد هيكلة مؤسساتها، وتستثمر في البنية الرقمية، وتُوسِّع الفرص أمام الشباب والنساء، وتفتح آفاقًا جديدة للابتكار وريادة الأعمال والاستدامة.
وهذه ليست مجرد أهداف وطنية، بل طموحات عالمية نتشاركها في مجموعة البنك الدولي، حيث تستدعي رسالتنا – المتمثِّلة في بناء عالم خالٍ من الفقر على كوكب صالح للعيش – تحقيق نمو شامل، وإقامة مؤسسات قوية، والدفع نحو تحول مناخي يُراعي الجميع. ونجد في السعودية شريكًا واعيًا للتحديات، وراغبًا في أن يكون قدوةً يُحتذى بها.
في هذا اليوم الوطني، تتجلى قوة شراكتنا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، فيما يعد المستقبل بتعميق أواصر التعاون، وتوسيع نطاق التأثير، وفتح آفاق أوسع للسعودية والعالم في ميدان التنمية.

مديرة البنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي