الإيجار يتجمد .. السوق تتنفس

في خطوة غير مسبوقة أعلنت السعودية تجميد الزيادة السنوية على الإيجارات السكنية والتجارية في مدينة الرياض لمدة 5 سنوات، ابتداء من 25 سبتمبر 2025. هذا القرار، الذي جاء بتوجيه من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان يمثل نقطة تحول في تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ويستدعي قراءة معمقة من المنظور الاقتصادي.

من منظور العدالة التوزيعية، يُعد تجميد الإيجارات أداة لإعادة التوازن بين الفئات الاجتماعية، خصوصاً في ظل ارتفاع تكاليف السكن وتأثيرها في الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل. وفقاً لفكر الكينزي، فإن ضبط الأسعار في فترات التضخم أو عدم التوازن السوقي يُعد ضرورة لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فكينز يرى أن الأسواق لا تصل إلى التوازن تلقائياً، بل بالسياسات لتصحيح الاختلالات، وهو ما يتجسد في هذا القرار الذي يهدف إلى امتصاص الضغوط التضخمية في قطاع الإيجار، وهذا من منظور العدالة التوزيعية والاقتصاد الكينزي.

بينما تدعو الليبرالية الكلاسيكية إلى ترك السوق تحدد الأسعار بحرية، لكن الليبرالية المنظمة تعترف بالحاجة إلى منع الاحتكار أو الاستغلال. تجميد الإيجارات لا يُعد نفياً لآلية السوق، هو تنظيم مؤقت يهدف إلى حماية المستهلكين من تقلبات غير منضبطة، خاصة في مدينة تشهد نمواً عمرانياً واستثمارياً متسارعاً مثل الرياض.

يعُد ارتفاع الإيجارات بشكل غير متوازن مثالاً على ما يُعرف بـ"الفشل السوقي"، حيث لا تعكس الأسعار التوازن الحقيقي بين العرض والطلب، وهنا يأتي تصحيح هذا الفشل عبر أدوات تنظيمية مثل تثبيت الأسعار، وتوثيق العقود، وفرض عقوبات على المخالفين، كما نصت عليه الأحكام الجديدة.

من منظور الاقتصاد المؤسسي، فإن وضوح القواعد وثباتها يعزز الثقة بالسوق ويشجع الاستثمار طويل الأجل. تجميد الإيجارات يرسل إشارة قوية للمستثمرين بأن السوق العقارية السعودية تسير نحو تنظيم مؤسسي يحفظ الحقوق ويقلل من التذبذبات السعرية، ما يحول الرياض إلى بيئة استثمارية آمنة ومستقرة.

يتقاطع القرار أيضاً مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي التي ترفض الغبن والاستغلال، وتدعو إلى التوازن في المعاملات. تثبيت الإيجارات يحد من الممارسات الجائرة التي قد تُثقل كاهل المستأجرين، ويعزز من مفهوم السكن الكريم، وجميعها تصب في مرتكزات رؤية السعودية 2030 فيما يخص جودة الحياة.

في الختام، إن تجميد الإيجارات في الرياض ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل يعبر عن فلسفة اقتصادية متكاملة تسعى لتحقيق العدالة، وضبط السوق، وتعزيز الثقة المؤسسية، بينما قد يرى البعض أنه تقييد لحرية السوق، فإن النظريات الاقتصادية تُظهر أن هذه الإصلاحات ضرورية في لحظات التحول لضمان استدامة النمو وتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة.


اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة إستراتيجيات الأعمال والشراكات الإستراتيجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي