الاقتصاد الأمريكي يستعد لرياح معاكسة في الإسكان والعمل
يبدو أن سوق العمل الأمريكي يتدهور بسرعة، بالتزامن مع تدهور سوق الإسكان، وهما قوتان سلبيتان تُهددان بتغذية بعضهما بعضا وخنق النمو الاقتصادي.
فيما يتعلق بسوق العمل، تُظهر أحدث البيانات سببًا يُرجح معه استئناف مجلس الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع، حيث بلغ معدل البطالة وطلبات إعانة البطالة الأسبوعية أعلى مستوياتها منذ 2021، ويتجاوز عدد العاطلين عن العمل الآن عدد الوظائف المتاحة لأول مرة منذ 4 سنوات.
في الوقت نفسه، لا يزال الضغط على سوق الإسكان مرتفعًا. وبلغ متوسط أقساط الرهن العقاري الشهرية ضعف مستويات ما قبل الجائحة تقريبًا، ووصل إجمالي القدرة على تحمل التكاليف إلى أدنى مستوياته على الإطلاق. صرح وزير الخزانة سكوت بيسنت في وقت سابق من هذا الشهر أن الحكومة قد تُعلن قريبًا حالة طوارئ وطنية في قطاع الإسكان.
لديه ما يدعو للقلق. فارتفاع أسعار الرهن العقاري وارتفاع الإيجارات يُؤثران سلبًا في إنفاق المستهلكين، ما يؤدي إلى انخفاض أرباح الشركات، وفي نهاية المطاف إلى انخفاض التوظيف وزيادة تسريح العمال. كما أن ارتفاع معدلات البطالة يُزيد من الضغط على الإنفاق، ما يُؤدي إلى دوامة سلبية مُفرغة.
ومما يُفاقم هذه المخاوف أن عديدا من مالكي المنازل لا يستطيعون الانتقال حتى لو رغبوا في ذلك، لأنهم مُقيدون بأسعار قروض عقارية منخفضة للغاية مُؤمنة في أعقاب الجائحة. ونتيجةً لذلك، يتراجع معدل التنقل، في الوقت الذي يحتاج فيه سوق العمل إلى قوة عاملة أكثر مرونة وديناميكية. بعبارة أخرى، في الوقت غير المناسب تمامًا.
تراجع التنقل
يُفاقم ارتفاع أسعار الرهن العقاري وارتفاع الإيجارات أزمة الإسكان الأمريكية المُزمنة. ووفقًا لشركة زيلو للوساطة العقارية، فإن البلاد لديها حاليًا 4.7 مليون وحدة سكنية أقل من احتياجاتها، وهو رقم قياسي. هذه أخبار سيئة للاقتصاد - الذي لطالما أُشيد بمرونته - لأن نقص المساكن بأسعار معقولة يحد من تنقل العمالة. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في بعض المناطق، ويصعّب على الشركات في المناطق المزدهرة شغل الوظائف.
تقول شيلي ستيوارت الثالثة، الشريكة الرئيسية في ماكينزي، إن محدودية الوصول إلى السكن "تؤثر بشكل مباشر على كفاءة ومرونة سوق العمل". وتضيف: "إن معالجة مسألة القدرة على تحمل تكاليف السكن يمكن أن تخفف من هذه الاختلالات، ما يؤدي إلى سوق عمل أكثر ديناميكية وتوازنًا".
في الواقع، ووفقًا لبحث أكاديمي ورد في تقرير مركز السياسات الحزبية العام الماضي، لو أن 3 من "أسواق العمل المنتجة" في البلاد - مدينة نيويورك، وسان فرانسيسكو، وسان خوسيه - توافرت لديها مساكن كافية خلال 45 عامًا بين عامي 1964 و2009، لكان الاقتصاد الأمريكي أكبر بنسبة 3.7%. إن عدم تحسين القدرة على تحمل تكاليف السكن يضر بالنمو الاقتصادي الأمريكي على المدى الطويل، وليس فقط في هذه الدورة.
ماذا نفعل؟
مع ذلك، ليس الوضع قاتمًا تمامًا.
أولًا، قد تُساعد التكنولوجيا على الحفاظ على قدر من مرونة تنقل العمالة رغم أزمة السكن. فقد وجدت دراسة أجراها مركز السياسات الحزبية أن عدد الأسر التي تتمتع بمرونة العمل من بُعد، وبالتالي العيش بعيدًا عن المكتب، قد تضاعف 3 مرات بين عامي 2019 و2021. وقد يُفسر هذا جزئيًا ازدياد هجرة الأسر في السنوات الأخيرة إلى الجنوب والغرب الجبلي من الشمال الشرقي والغرب الأوسط.
لكن سياسات العمل من المنزل لا تُحقق الكثير. تجدر الإشارة إلى أن المعدل الإجمالي للحركة داخل الولايات المتحدة كان أقل من 9% في عام 2022، مقارنةً بمتوسط سنوي يقارب 20% بين عامي 1948 و1980.
ثمة دلائل على أن أزمة السكن قد تخف. فقد أدى الانخفاض الأخير في عوائد سندات الحكومة الأمريكية طويلة الأجل إلى انخفاض متوسط أسعار الرهن العقاري لمدة 30 عامًا إلى أدنى مستوى له في 11 شهرًا عند 6.35%، في حين أن ارتفاع المخزون وتباطؤ الطلب يُحدّان من أسعار المنازل. لكن يبدو أن الأمريكيين غير مقتنعين. أفاد ما يقرب من 70% منهم بقلقهم إزاء ارتفاع تكلفة السكن، بزيادة قدرها 8 نقاط مئوية عن العام السابق، وفقًا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي. قد يُؤدي هذا الشعور السلبي إلى ركود إنفاق المستهلكين بغض النظر عن الحقائق على أرض الواقع، خاصةً عند اقترانه بتزايد المخاوف بشأن الوظائف.
فما العمل؟
بناء منازل جديدة هو الحل الواضح. للاستثمار في قطاع الإسكان تأثير مضاعف قوي في النمو الاقتصادي وإيرادات الضرائب. تُقدر ماكينزي أن الاستثمار لسد العجز في سوق الإسكان قد يخلق ما يصل إلى 1.7 مليون وظيفة ويضيف ما يقرب من تريليوني دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي التراكمي حتى 2035.
لكن سيكون من الصعب تنفيذ استثمار بهذا الحجم، خاصةً في ظل هشاشة الأوضاع في القطاع. وسيستغرق الأمر وقتًا.
لذا، على المدى القصير، لا يمكن للاقتصاد الاعتماد على نهضة إسكانية. قد يكون الأمل الأكثر واقعية هو أن التيسير النقدي والسخاء المالي وحملة إدارة ترمب على تحرير الاقتصاد ستوفر دعمًا كافيًا لموازنة هاتين الظاهرتين المعاكستين القويتين.
كاتب اقتصادي ومحلل مالي في وكالة رويترز