كيف استغل الملاك ثغرة قانونية للتهرب من رسوم الأراضي البيضاء؟
كيف استغل الملاك ثغرة قانونية للتهرب من رسوم الأراضي البيضاء؟
تسببت ثغرة قانونية تتيح لملاك الأراضي البيضاء التهرب من سداد الرسوم التي فرضتها السعودية على الأراضي الخام بمساحات تتجاوز مساحتها 5 آلاف متر مربع في جدل كبير، مع محاولة البعض التهرب من الرسوم بمنح أراضيهم كهبات خاصة لأقاربهم بحسب ما تم رصده من بيانات حكومية رسمية.
وأكد لـ"الاقتصادية" مختصون وخبراء رصد تزايد كبير في هبات الأراضي خاصة للأقارب بنسبة وصلت إلى 50% خلال الأسبوع الأخير من أغسطس المنصرم، بغرض التهرب من دفع رسوم ضريبية، إذ وصف قانونيون وخبراء عقار اللجوء إلى هذه الطريقة بـ"استخدام جائز لغاية غير جائزة".
وكانت وزارة البلديات والإسكان في السعودية أعلنت تفاصيل رسوم الأراضي البيضاء التي ستطبق في الرياض بهدف تحقيق التوازن في السوق وتحفيز التطوير العقاري. قسّم النظام الجديد المدينة إلى 5 فئات، تراوح رسوم الأراضي البيضاء فيها بين 0% و10% سنويًا من قيمة الأرض.
النطاقات الجغرافية للأراضي البيضاء في العاصمة صنفت إلى 5 شرائح، مع فرض رسوم سنوية متفاوتة على كل شريحة، تصل لـ10% على أراضي الشريحة ذات الأولوية القصوى، و7.5% للعالية، و5% للمتوسطة، و2.5% للمنخفضة، في حين تتبقى شريحة خامسة (خارج نطاق الأولويات)، فلا يفرض رسم سنوي عليها، وتحتسب ضمن مجموع الأراضي البيضاء المملوكة للمكلّف داخل نطاق المدينة.
وقال المحامي عبدالله البرادي المدير العام لشركة قانونية: إن بعض الملاك يلجأ إلى إفراغ بعض الأراضي المملوكة لهم لبعض الثقات لديهم تهربا من دفع الرسوم المستحقة على الأراضي البيضاء، مضيفا: "ولا شك أن هذا الفعل غايته وهدفه التهرب من دفع الضرائب إلا أن الفعل بحد ذاته جائز نظاما فهذا يعتبر استخداما لوسيلة جائزة للوصول إلى غاية غير جائزة".
وأشار إلى أن نظام الضرائب لا يعاقب على الغايات والنوايا الباطنة وإنما يحكم على الأفعال والتصرفات الظاهرة "ولذلك لا تعتبر اتخاذ هذه الوسيلة لتجنب دفع الضرائب بحد ذاتها مخالفة للنظام".
وفيما يتعلق بالجزاءات المترتبة على المتملصين من الضرائب، أجاب: "نص النظام على عقوبات على المتهربين من الضرائب تصل لمقدار الضريبة المقدرة لكل السنوات السابقة من تاريخ المخالفة حتى تاريخ انتهائها مع عدم إعفائه عن دفع الرسوم عن السنوات المستحقة".
ونصح ملاك الأراضي بعدم سلوك هذه الوسيلة لأسباب عدة، بالقول: "لا تأمن أن تسترد هذه الأرض من الشخص الذي وهبت له بشكل مؤقت، وإن لم يفعل لا يمكنك الاطمئنان في حالة الوفاة أن يرفض الورثة إعادتها".
وأشار القانوني البرادي إلى أنه قد يتهرب البعض من رسوم الأراضي البيضاء عبر تأسيس شركات مختلفة تمتلك كل واحدة منهم أراضي لا تزيد في مجموعها عن 5 آلاف متر مربع في المدينة الواحدة، بحيث تمتلك في كل مدينة أقل من 5 آلاف متر، وفي هذه الحالة لا تنطبق عليها الرسوم، لذلك أقترح أن تطبق الرسوم على الأراضي المملوكة للشركات بغض النظر عن مساحتها".
وأضاف: "يجب أن نشير هنا إلى أن البعض يفهم أن ضريبة الأراضي البيضاء لا تنطبق على الأراضي المملوكة لورثة أو لملاك متعددين كملكية شائعة إذا كان جزء كل واحد منهم أقل من 5 آلاف، وهذا غير صحيح.
وأوضح أن الضرائب لا تنطبق على الشخص إذا كان مجموع ما يملكه 5 آلاف متر وأكثر، ولكنها في مدن متعددة بحيث لا يصل ما يملكه في المدينة الواحدة لـ5 آلاف متر مربع، وهذا يشجع على تنويع الاستثمار العقاري للشخص الواحد وتوزيعه على مدن متعددة.
وحاولت "الاقتصادية" الاستفسار من وزارة البلديات والإسكان عن رأيها في استغلال البعض لهذه الثغرة، بيد أنها لم تتلقَّ أي رد حتى ساعة إعداد التقرير للنشر.
من جهته، أكد الدكتور ماجد الركبان المختص في القيادة التنظيمية في القطاع العقاري، وجود بعض الثغرات النظامية التي من الممكن أن تستخدم في الالتفاف على قرارات رسوم الأراضي البيضاء منها موضوع الهبات، حيث يجيز النظام نقل الأراضي للأقارب كهبات مع إعفائها من ضريبة التصرفات العقارية، ومن ثم من الممكن انتقال الأرض كهبة بشكل مستمر بين الأقارب وتوزيع المساحات على أكبر قدر ممكن من الأشخاص، وهو ما يفتح بابا للتهرب من رسوم الأراضي البيضاء.
وأضاف: "يتيح نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة في المادة السادسة فرض غرامة تصل إلى مقدار الرسم المستحق على الأرض في حالة مخالفة أحكام النظام ولائحته، إضافة إلى غرامات التهرب الضريبي من ضريبة التصرفات العقارية في حالة ثبوت التهرب، وتشمل أي شخص ثبت اشتراكه في التهرب الضريبي أو مساعدته عليه أو تسهيله له".
ووجه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في مارس الماضي، بتطبيق إجراءات متنوعة لتحقيق التوازن في سوق العقارات بالرياض، عقب الارتفاع الكبير في أسعار العقارات والإيجارات.
بدوره، قال إبراهيم الشهيل الرئيس التنفيذي لمنصة عقار، بحسب البيانات المتوفرة من وزارة العدل والسجل العقاري، شاهدنا ارتفاع 50% في عمليات الهبات الموثقة من آخر أسبوع في شهر أغسطس حتى الأمس (مقارنة بمتوسط الهبات اليومي من بداية السنة).
والبارحة أعلنت شركة الرياض للتعمير المدرجة في سوق الأسهم السعودية "تاسي" عن أراض خاضعة للرسوم مساحتها 828.6 ألف متر مربع في حي الرمال برسم 2.5%، بجانب 4.9 ألف متر مربع في حي الملقا برسم أراض بيضاء 10%، و18.5 ألف متر مربع في حي الديرة برسم 10% وفق النظام الجديد.
ومن المحتمل أن تصل قيمة رسوم الأراضي البيضاء المستحقة على الشركة إلى 85 مليون ريال، ما يعادل نحو ربع إيراداتها للعام الماضي، وفق وحدة التحليل المالي في "الاقتصادية".
وفق المعطيات أعلاه، من المحتمل أن تبلغ قيمة الرسوم المحتملة على أراضي الشركة في حي الرمال 81 مليون ريال، بينما قد تبلغ 2.8 مليون ريال على أراضي الشركة في حي الملقا، و1.5 مليون ريال على أراضي حي الديرة.
وأضاف أن الهبة المسجلة والموثقة تصرف نظامي ولا يمكن اعتباره تلاعبا أو تحايلا بالإطلاق، لأن العقار انتقل فعلًا لملكية الموهوب، وأوضح قد يكون من المهم استحداث آليات مثل تسجيل بيانات إضافية عند انتقال ملكية العقار (مثل بيانات المستفيد الفعلي للسجل التجاري التي تسجل اليوم بعد تحديث نظام السجل التجاري)، وربما معالجة حالات الهبة للقصر من ولي الأمر بهدف توزيع الملكية مع كون الواهب هو ولي القاصر والمتصرف الفعلي في العقار.
ووفقا لهيئة الزكاة والضريبة والجمارك فالهبات الموثقة بشكل نظامي غير معفاة من ضريبة التصرفات العقارية إلا للزوج أو الأقارب حتى الدرجة الثالثة.
وذكر الشهيل أن نظام ضريبة التصرفات العقارية ينص على أن عقوبة التهرب الضريبي تصل إلى 3 أمثال قيمة الضريبة، وينص نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة على أن عقوبات مخالفة النظام تصل إلى مثل قيمة الرسم، لكن لم تصدر لائحة مخالفات النظام وتفاصيلها حتى الآن.
وتمثلت الإجراءات التي وجه بها ولي العهد في رفع الإيقاف عن التعاملات العقارية لأراضي مختلفة تقع شمال الرياض بمساحة إجمالية تبلغ 81.5 كيلومتر مربع، توفير ما بين 10 آلاف و 40 ألف أرض مخططة وسكنية سنويًا للمواطنين على مدى السنوات الخمس المقبلة، بسعر أقصى قدره 1.500 ريال للمتر المربع، بشروط محددة مسبقًا، إضافة إلى تعديل لوائح رسوم الأراضي البيضاء، ضمان توازن عادل بين الملاك والمستأجرين، وتوجيه الهيئة العامة للعقارات والهيئة الملكية لمدينة الرياض بمراقبة أسعار العقارات في الرياض.
وأكد صقر الزهراني المختص في الشأن العقاري رصد زيادة ملحوظة في الهبات، خصوصا بين الأقارب كالزوج والزوجة والأبناء. ورغم أن الدافع لا يكون دائمًا التهرب، إذ قد يرتبط أحيانًا برغبة المالك في توزيع الأصول أو ترتيب الإرث بشكل مبكر، إلا أن العديد من الحالات عكست هدفًا واضحًا يتمثل في تقليص المساحة الخاضعة للرسوم أو محاولة الخروج من نطاقها.
وأوضح أن من أبرز الحالات التي تمت ملاحظتها: أراض ذات مساحات كبيرة قُسمت، ثم وُهبت أجزاء منها للزوجة أو للأبناء القُصّر، ونقل ملكيات صورية بين الإخوة لكسر شرط المساحة الخاضعة للرسوم، وحالات محدودة تضمنت هبات لجمعيات أو أوقاف بغرض استبعاد الأراضي من دائرة الرسوم.
وقال: "من منظور عقاري، إذا لم يجمع النظام مساحات الأراضي المملوكة بين الأقارب كوحدة واحدة، فإن الهبات قد تتحول إلى ثغرة كبيرة".
ولفت إلى أنه يمكن سد هذه الفجوة من خلال اعتبار الأسرة وحدة ملاك مترابطة ضمن النظام، ربط ملكية الأراضي بالهوية الوطنية وسجل الأسرة للحد من الالتفاف على الضوابط، تفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل الأنماط في صفقات الهبات لرصد الحالات غير الطبيعية.
المحامي نشمي العتيبي بدوره قال: يذهب البعض إلى الاعتقاد بأن التصرفات مثل الهبة يمكن أن تُستخدم بشكل صوري للتحايل والاستفادة من الإعفاءات المنصوص عليها في ضريبة التصرفات العقارية، إلا أن اللجوء إلى هذا النوع من التصرفات الصورية قد يترتب عليه إشكاليات قانونية جسيمة، قد تقود أطرافها إلى مواجهات قضائية ونزاعات قانونية معقدة.