السعودية تطلق مشروع تصوير ثلاثي الأبعاد لباطن الأرض وترسم خريطة زلزالية للمناطق
السعودية تطلق مشروع تصوير ثلاثي الأبعاد لباطن الأرض وترسم خريطة زلزالية للمناطق
بدأت السعودية مشروع تصوير ثلاثي الأبعاد لباطن الأرض، يشمل المعادن والمخاطر والتصدعات والطاقة الحرارية، كما تعمل على إعداد خريطة زلزالية شاملة تغطي جميع مناطق السعودية، بحيث يكون لكل منطقة كود بناء يتناسب مع طبيعتها الجيولوجية، وفق ما ذكره في حوار خاص لـ"الاقتصادية" رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية الدكتور عبدالله الشمراني.
ومن المنتظر - وفقا للشمراني - أن يكتمل المشروع تدريجيا حتى 2030 وذلك بعد أن قاربت مرحلة جمع المعلومات الجيولوجية على الاكتمال، فيما ستركز المرحلة المقبلة على الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لربط هذه البيانات الضخمة وتوظيفها بشكل يخدم الاقتصاد السعودي ويسهم في إدارة المخاطر الجيولوجية بكفاءة أعلى، وإلى نص الحوار:
هل هناك خطط لفتح البيانات الجيولوجية للقطاع الخاص؟ وهل هناك مستثمرون محليون وعالميون؟
الهيئة أنجزت عددا كبيرا من المبادرات الرقمية، حيث جُمعت المعلومات ووضعت في منصة موحدة ليتمكن الباحثون والمستثمرون من الحصول على البيانات في الوقت المناسب، المعلومة الجيولوجية بطبيعتها تراكمية ومستمرة عبر السنوات، وما يميز السعودية أن بياناتها حديثة وأُعدت بأفضل الطرق العلمية، وجميع المعلومات تقدم مجانا، دعما لقطاع التعدين، خلافا لكثير من الدول التي تفرض رسوماً عليها.
ونتيجة لذلك ارتفع عدد زوار المنصات الرقمية الجيولوجية التي تقدمها الهيئة من نحو 3 آلاف زائر عام 2021 إلى أكثر من 130 ألف زائر حاليا، ومن مختلف دول العالم.
أعلنتم عن إطلاق حزمة من البيانات الجيولوجية الجديدة للدرع العربي، ما أبرز المستجدات فيها؟
انتهينا من مسح نحو 92 % من الدرع العربي في الأعمال الجيوفيزيائية، كما انتهينا بشكل كامل من جمع ومعالجة المعلومات الجيوكيميائية. كل هذه المعلومات أُدرجت في قاعدة البيانات الجيولوجية، حيث رفعنا ما يقارب 88 ألف عينة جيوكيميائية، وشمل التحديث 76 عنصرا جرى تحليلها جميعا وأصبحت متاحة.
الأعمال الجيوفيزيائية والجيوتقنية بدورها أصبحت بنسبة 90 % متاحة للمستثمرين عبر المنصة، ونتيجة لذلك ارتفع الإقبال بشكل ملحوظ، ومع طرح البيانات الجديدة في الربع الثالث (يوليو الماضي) ضمن القاعدة، يُتوقع أن يسهم ذلك في تعزيز موقع السعودية في المجال الجيولوجي.
قاعدة البيانات الجيولوجية السعودية صُنفت قبل 6 أشهر في المرتبة الثالثة عالميا، ومع إطلاق الحزمة الجديدة من المعلومات التي أطلقت في الربع الثالث نتوقع أن يتحسن الترتيب، هذا التقدم تحقق نتيجة وضوح التشريعات، وتحديث قانون التعدين، وضخامة المعلومات المتاحة للمستثمرين.
ما دوركم الإقليمي في تبادل المعلومات الجيولوجية أو إدارة الكوارث الطبيعية؟
نحن في السعودية نرى أن جميع الدول تعيش على كوكب واحد، لكن كل دولة تختلف في كمية المعلومات الجيولوجية المتوافرة لديها وفي جاهزيتها. لذلك نعمل على 3 مستويات.
على المستوى المحلي طلبنا أن تكون جميع المعلومات الجيولوجية الموجودة لدى أي جهة في البلاد – سواء وزارة الطاقة أو وزارة المياه أو الهيئات أو الشركات – مدمجة في قاعدة البيانات الجيولوجية الوطنية، بحيث تصبح جاهزة للإضافة والتكامل.
وإقليميا نعمل حاليا مع دول البحر الأحمر (الأردن، مصر، والسودان) لربط وتكامل المعلومات الجيولوجية بما يجعلها مكملة لبعضها بعضا، وتعزز من فرص الاستكشاف المشترك، وسنواصل العمل مع الدول الأخرى.
وعلى الصعيد الدولي، هناك توسع ضمن تجمع عالمي، وبمشاركة 36 دولة، حيث نجتمع سنوياً، وقد عقد الاجتماع الأول عام 2024 والثاني عام 2025، وخرجنا بثلاثة مخرجات أساسية، لمساعدة الجيولوجيين على تبادل خبراتهم، وتوفير المعلومات الجيولوجية بصيغة رقمية ليتمكن أي شخص من الوصول إليها والاستفادة منها، وأخيرا إنشاء مركز تميز يساعد على تطوير أعمال الاستكشاف، سواء على مستوى العالم أو على مستوى دول المنطقة، إضافة إلى تنظيم المؤتمرات المتخصصة في ذلك.
في ظل التوسع العمراني والصناعي في السعودية، هل تعملون على التحديث المستمر للخرائط الجيولوجية والمساحية؟
أي أعمال عمرانية أو صناعية لا بد أن تُبنى على معرفة دقيقة بالمخاطر الجيولوجية في المنطقة، نحن لا نستطيع إلغاء هذه المخاطر تماما، لكن نستطيع التعامل معها والتكيف بحسب طبيعتها، سواء من خلال وضع مواصفات للبناء أو اختيار أماكن مناسبة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن البناء في منطقة وادٍ، وفي المناطق الزلزالية لا بد أن يكون كود البناء أعلى.
من هذا المنطلق، تعمل الهيئة على إعداد خريطة زلزالية، حيث نقوم بدراسة كل منطقة على حدة ونصدر الخرائط التي تساعد على تحديد كود البناء السعودي واختيار المواقع الملائمة. لم نغطِّ المملكة بالكامل بعد، لكن هناك إستراتيجية وضعتها الهيئة لتغطية جميع المناطق تدريجياً، خاصة أن بعض الدول احتاجت إلى 50 عاماً لتغطيتها بالكامل.
حتى الآن أنهينا 100% من دراسة الأودية داخل النطاق العمراني، وحددنا أماكن الانهيارات الجبلية والصدوع، لكن السعودية كبيرة وجيولوجيتها متنوعة، ولكل منطقة في السعودية كود بناء سعودي خاص بها يتناسب مع طبيعتها الجيولوجية، وهذا ينعكس على تكلفة البناء، فالمنطقة الجبلية تختلف عن الساحلية وتختلف عن الصحراوية.
كيف تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد في أعمال الرصد الجيولوجي؟
الذكاء الاصطناعي يتعامل أساسا مع المعلومات، ونحن في الهيئة لدينا كم هائل من البيانات لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبه أو يتعامل معه بشكل كامل، لذلك نعمل حالياً في المراحل الأخيرة من مشروع يهدف إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لربط هذه المعلومات ببعضها والاستفادة منها سواء في خدمة اقتصاد البلد أو في التنبؤ بالمخاطر الجيولوجية.
العمل حاليا في مرحلة تجميع الأفكار والمعلومات، ونتوقع خلال الفترة القريبة المقبلة أن نبدأ الاستفادة من هذه التطبيقات بشكل مباشر، كما نعمل على تأهيل الموظفين للتعامل مع التقنية الحديثة، فلكل زمن طبيعة وظائف وأعمال تختلف عما قبله، والبشرية تتأهل للتكيف معها.
حتى الآن نحن كبشر لا نستفيد إلا من نحو 20 % من المعلومات بالقدرات البشرية، لكن الذكاء الاصطناعي سيُمكّن من توظيف المعلومات بشكل أوسع لخدمة البشرية، فيما يعمل الإنسان على كيفية التعامل مع مخرجات هذه البيانات.
كيف يمكن تسعير البيانات الجيولوجية أو بيعها للمستثمرين المحليين والعالميين؟ وهل هناك خطط لتحويل الهيئة إلى كيان ربحي أو ذراع استثمارية؟
جميع المعلومات التي توفرها الهيئة تقدم مجاناً سواء لمستفيدين من داخل المملكة أو من خارجها، وجود هذه البيانات في حد ذاته هو دعم مباشر للاقتصاد الوطني، فرؤية المملكة تستهدف تنويع الاقتصاد، وتمكين قطاع التعدين ليصبح الركيزة الثالثة له، وهذا لا يتحقق إلا بتوفير المعلومة للمستثمرين، المعلومة هي التي تجذب الاستثمار، وتوفير الوظائف للمواطنين، وتساعد على تطوير الموارد المائية وتحسين البنية التحتية، وبالتالي وجودها يحقق أهداف الاقتصاد الوطني.
سجلت الهيئة أكثر من 5650 موقعا بقيمة 9.4 تريليون ريال تضم أكثر من 60 معدنا، كيف ستتم الاستفادة منها؟
هذه الأعمال بدأت منذ نحو 80 عاما، وكل موقع جرى تدوينه بمعلومات تختلف في درجة موثوقيتها؛ بعضها موثوق بدرجة عالية وبعضها أقل، حسب الأعمال التي أقيمت في المنطقة. القيمة التقديرية لهذه المواقع تبلغ نحو 9.4 تريليون ريال.
اليوم جرى تجميع هذه المعلومات وتوجيهها لتكون متاحة للمستثمرين كمصدر رئيسي للمعلومة، لاحظنا بالفعل إقبالا كبيرا من مستثمرين داخل المملكة وخارجها، إذ يقومون بالدخول إلى المنصة والحصول على المعلومات والخرائط، ثم التقديم على رخص لمباشرة العمل. وبالنسبة إلينا في الهيئة فإن هذه البيانات تعتبر أساساً لمخرجات أخرى تبنى عليها أعمال إضافية.
كما شهدت المملكة قفزة نوعية في جاذبية الاستثمار التعديني، إذ ارتفع ترتيبها من المركز 104 إلى المركز 23، هذا الانتقال عبارة عن جهد لأربع سنوات، الأعمال التي تقوم في الفترة الماضية سواء إعادة الهيكلة وقانون التعدين، أو المعلومات الجيولوجية، تم الاستثمار في هذه المعلومات وساعدت على وجود ناتج متميز للمستثمرين.
ما دور هيئة المساحة الجيولوجية في برنامج الاستمطار السعودي؟
نحن نتعاون مع المركز الوطني للأرصاد في هذا المجال، حيث نحدد الأماكن الأكثر خطورة والتي تتعرض للسيول ومسارات الأودية، وبالفعل أسهمت هذه الجهود في حل مشكلات الأمطار، فعلى سبيل المثال، في جدة تم حل مشكلة مياه الأمطار بنسبة وصلت إلى 90%. كما أن هناك بعض المناطق في السعودية دخلت ضمن المناخ الموسمي مثل جازان، ويجري التعامل معها ضمن هذه المعطيات.
ما آخر الاكتشافات الأثرية في السعودية؟
اكتشاف الآثار ليس من اختصاصنا، لكننا نتعاون مع هيئة الآثار فيما يخص المعالم الجيولوجية، والمملكة غنية بالمعالم الجيولوجية ذات الطابع الرسوبي والبركاني، وقد سُجل لنا موقعان في اليونيسكو من بين أجمل 100 موقع جيولوجي عالمي، هما جبل القير البركاني في المدينة المنورة، ومقلع طمية (الوعبة) في الباحة.
ما أبرز المشاريع والمبادرات الجديدة التي تعملون عليها حاليا؟
نعمل حالياً على بناء تصور ثلاثي الأبعاد لما يوجد في باطن الأرض في السعودية، سواء من معادن أو مخاطر أو تصدعات أو طاقة حرارية. لدينا الآن منصة تساعدنا على معرفة جيولوجيا المملكة بشكل متكامل، وهذه المعرفة تنعكس على نمو الاقتصاد، وتساعد على تحديد أماكن المخاطر وكيفية التعامل معها، ما يحد من إهدار الأموال والأرواح، والعمل مستمر على مراحل، ومن المتوقع أن نكمله بحلول 2030. نحن الآن في مرحلة الانطلاق بعد أن انتهينا من مرحلة جمع المعلومات الجيولوجية، وبدأنا في بناء قاعدة تربط هذه المعلومات وتستثمرها.