التجارة في لحوم الطرائد رابع أكثر الأنشطة المجرّمة ربحية بـ 10 مليارات دولار سنويا
التجارة في لحوم الطرائد رابع أكثر الأنشطة المجرّمة ربحية بـ 10 مليارات دولار سنويا
في عشة جدرانها من الألواح القديمة وسقفها من الصفائح المعدنية المموجة، تجد جستينا صنداي تكدس أكواز الذرة الجافة كوقود في حوض استحمام صدئ جعلت منه موقد شواء. تراها تنظر عبر الدخان الأبيض المُفعم برائحة الفحم والتوابل كي تُقلّب شرائح اللحم التي تشويها فوق الجمر.
مشواها هذا يجاور طريقاً سريعاً مزدحماً يؤدي إلى العاصمة النيجيرية أبوجا، ويعجّ بالزبائن الدائمين الذين يأتون سعياً لشرائح اللحم وقطعه والكباب تقدمها مع عصيدة باب المحلية مع صلصة الفلفل.
لكن تلك اللحوم ليست من الأنواع التي قد تجده في نيويورك أو لندن أو طوكيو، إذ لا تجدون على مشواها لحم البقر أو الأغنام أو الدجاج. بدلاً من ذلك، عادةً ما تعرض صنداي الظباء والخفافيش وسحالي الورل والشيهم أو الأفاعي، بمعنى آخر أي شيء اصطاده أو قنصه صيادو مناطق هاوسا وفولاني.
تُصرّ صنداي على أن منتجاتها صحية بما يفوق الماشية المرعية. تقول: "لحوم الطرائد خالية من الدهون وهي طبيعية. كان أجدادنا يأكلونها وعاشوا حياة مديدة. حتى خلال فترة فيروس (إيبولا) كان زبائني يأتون إليّ".
البنك الدولي يقدّر قيمة التجارة غير المشروعة في لحوم الطرائد تتراوح بين 7.8 مليار دولار و10 مليارات دولار سنوياً على مستوى العالم، لتكون بذلك رابع أكثر الأنشطة المجرّمة ربحيةً بعد المخدرات والاتجار بالبشر وتجارة الأسلحة.
جستينا صنداي تشوي لحوم الطرائد في مطعمها في أوشافا، نيجيريا - بلومبرغ
لطالما كانت لحوم الطرائد جزءاً لا يتجزأ من ثقافة المطبخ النيجيري، لكنها كانت ظاهرة ريفية في معظم الأحيان. لكن حديثاً زاد الطلب والإقبال عليها في المدن علاوةً على الأرياف، حيث يسعى إليها الجميع من الباعة الجوالين إلى المهنيين لمذاقها المميز أو لقيمتها الغذائية المدركة أو لأنها تذكرهم بنشأتهم في بيوت آبائهم.
يقول أكثر من خُمسي سكان المناطق الحضرية النيجيريين إنهم تناولوا لحوم الطرائد في العام الماضي، أي ما يقرب من ضعف العدد الذي سُجل في عام 2018، وفقاً لدراسة أجرتها جمعية الحفاظ على الحياة البرية في الدولة الأفريقية.
تجارة محظورة مربحة
على الرغم من حظر بيع لحوم الطرائد رسمياً في نيجيريا، إلا أنها تُعرض علناً إلى جانب لحوم الماشية التقليدية في أسواق أي مدينة تقريباً.
يقول الأطباء إن هذه النزعة تشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن ثلاثة أرباع الأمراض المعدية الناشئة في العقد الماضي نشأت من الحيوانات.
كما قالت منظمة الصحة العالمية وهيئات رئيسية أخرى إن تفشي فيروس ”إيبولا“ في غرب أفريقيا في 2014، على سبيل المثال، بدأ على الأرجح في غينيا بعد أن تناولت عائلة الضحية الأولى خفافيش تحمل الفيروس.
ويعتقد بعض الباحثين أن فيروس ”كورونا“ الذي يسبب مرض ”كوفيد-19“ انتقل على الأرجح إلى البشر من حيوانات برية في سوق في مدينة ووهان الصينية، التي أُبلغ فيها عن أولى الحالات في ديسمبر 2019.
قال أوشاكوما أنيمغا، نائب رئيس الجمعية الطبية النيجيرية: "هذه ليست مجرد مشكلة صحية محلية، بل هي حالة طوارئ صحية عامة محتملة".
كشك لبيع لحوم الطرائد في منطقة أوشفا النيجيرية يشهد إقبالاً - بلومبرغ
تقول نسيرات إليلو، وهي باحثة في الأمراض حيوانية المنشأ بجامعة إيلورين النيجيرية، إن الممارسات المعتادة مثل الذبح في الهواء الطلق ونقص معدات الوقاية وغياب الفحص البيطري تزيد خطورة الوضع. أضافت: "الخطر لا يقتصر على الاستهلاك". إن التعامل مع لحوم الطرائد "يخلق مسارات خفية للعدوى الناشئة“.
بيّنت إليلو أنه على الرغم من أن نيجيريا أحرزت قدراً من التقدم في الاستجابة لتفشي الأمراض، إلا أن أنظمة المراقبة لا تستطيع الكشف بشكل موثوق عن الأمراض المرتبطة بلحوم الطرائد. قالت: "نحن نجلس على قنبلة موقوتة إذا استمرت هذه التجارة دون تنظيم".
قال إديم إينيانغ، أستاذ الحفاظ على التنوع البيولوجي في جامعة أويو، إن إقبال نيجيريا على لحوم الطرائد يُسرّع من انهيار أعداد الحياة البرية لديها. من الأرانب إلى التماسيح إلى الفيلة، إذ تُصطاد الحيوانات بلا تمييز.
وأضاف : "إذا لم يتغير شيء، فإننا نتطلع إلى مستقبل تنقرض فيه بعض الأنواع". بالنسبة للصيادين، الحافز بسيط: يمكن أن يُباع حيوان نادر بأكثر من مليون نيرة (651 دولاراً) وهذا ما "يشجع الصيد المتهور دون مراعاة لبقاء الحيوانات على المدى الطويل“.
حيوانات برية مشوية معروضة في كشك في شمال غرب نيجيريا - بلومبرغ
بدافع الطلب المتزايد، يطلق الصيادون النيجيريون النار الآن تقريباً على كل كائن بري يصادفونه - الإناث الحوامل، والصغار، والأنواع المهددة بالانقراض على حد سواء - على الرغم من أن القانون النيجيري يحظر قتل بعض الحيوانات، إلا أن إنفاذ القانون ضعيف.
غالباً ما يموّه التجار لحوم الأنواع المحمية بحيث تشبه لحوم الطرائد التي يسمح القانون بصيدها، فيخدعون بذلك المشترين ويتحايلون على الجهات التنظيمية. قال إيديم: "حتى ضباط إنفاذ القانون غالباً ما يعجزون عن التمييز بين ما هو قانوني وما هو غير قانوني. فهم يفتقرون إلى التدريب والأدوات اللازمة لتحديد الأنواع، ما يجعل قوانين الحفاظ على البيئة بلا جدوى".
أولادوسو أديلاني، صياد في جنوبلا في نيجيريا لا يرى ضيراً في قتل وبيع لحوم الطرائد، إذ يسترزق من هذه الصنعة هو وكثير من أمثاله.
رفعت الحكومة في عام 2016 غرامات صيد أو الاتجار بالأنواع المهددة بالانقراض، مثل البنغول والسلاحف البحرية وقطط الزباد والقرود والثعابين، من 1000 نيرة (1.30 دولار) إلى ما يصل إلى 500 ألف نيرة (325 دولار) وعقوبة بالسجن خمس سنوات.
لكن ما يزال أديلاني غير مبالٍ، ويقول: "لقد بعت للجميع، حتى لضباط الشرطة والجمارك. يتحدثون عن القوانين، لكنهم أيضاً زبائني“.