طفرة الذكاء الاصطناعي مجرد فقاعة

طفرة الذكاء الاصطناعي مجرد فقاعة

طفرة الذكاء الاصطناعي مجرد فقاعة

من الشعارات الشهيرة في وادي السيليكون: "سيطر أو انصرف"، وهي تبرز فكرة أن أسواقا عديدة تُدار بمنطق أنَّ الفائز يأخذ كل شيء، حيث تهيمن قلة من الشركات على السوق بفضل وفورات الحجم، ما يهيئ لها جني أرباح ضخمة دون الخوف من المنافسة.

وكما كتب الكاتبان جيفري فانك، أستاذ متقاعد ومستشار تكنولوجي، وجاري سميث، أكاديمي وخبير في تحليل البيانات والاقتصاد، على موقع "ماركت واتش"، تنجح هذه الإستراتيجية أحيانا، كما حدث مع "أمازون"، لكنها عادةً تؤدي إلى خسائر فادحة، لأن الشركات تركز على النمو بدلاً من الربحية. لم ننس كيف انتهت فقاعة الإنترنت.

المثير أن هذا الشعار مرتبط أيضًا بعالم المصارعة الحرة، الذي شهد تحولًا من المصارعين الرشيقين إلى عمالقة الأجسام مثل بول رايت المشهور بـ"ذا بيج شو".

مثل المصارعة الحرة، فإن فقاعة الدوت كوم سابقا، وفقاعة نماذج اللغة الكبيرة حاليا، غارقة في المبالغة والتضليل، لكنها، على عكس المصارعة، فهي أشبه بمصائد للأموال.

الحقيقة هي أن معظم إيرادات "ألفابت" و"ميتا بلاتفورمز" وحتى "أمازون" لا تأتي من الذكاء الاصطناعي، بل من احتكاراتها شبه الكاملة لأعمالها الأساسية. فحتى أعمالها السحابية تربح في الأغلب من تكنولوجيات أخرى غير الذكاء الاصطناعي.

في الاقتصاد الأمريكي، ما يُعزز النمو ليس إنفاق المستخدمين على خدمات السحابة، بل الإنفاق المتزايد على البنية التحتية السحابية. وقد تجاوز هذا الإنفاق، نسبة من الناتج المحلي الإجمالي، الإنفاق على البنى التحتية للاتصالات والإنترنت خلال فقاعة الدوت كوم، ولا يزال في تزايد.

لا تُسهم توقعات أرباح الذكاء الاصطناعي المستقبلية في زيادة الإنفاق على البنية التحتية السحابية للذكاء الاصطناعي فحسب، بل ترفع أيضًا تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة ورواتب مواهب الذكاء الاصطناعي، منها 300 مليار دولار لـ "أوبن أيه آي"، و170 مليار دولار لـ "أنثروبيك"، و18 مليار دولار لـ"بيربلكستي"، وغيرها من الشركات.

ومثل المصارعة الحرة، واقع الذكاء الاصطناعي لا يطابق التصورات السائدة عنه. فالإيرادات منخفضة والأرباح معدومة. خسرت "أوبن أيه آي" 5 مليارات دولار في 2024 رغم تحقيقها إيرادات بلغت 3.5 مليار دولار، بينما خسرت "أنثروبيك" 5.6 مليار دولار من إيرادات بلغت 1.1 مليار دولار. وكلتا الشركتين تتوقعان ارتفاع هذه الأرقام هذا العام.

تتكبد هذه الشركات خسائر فادحة بسبب عقلية "النمو أو الخسارة". فأسعار منتجاتها لا تغطي تكاليف استخدام خدمات السحابة. في المقابل، يحقق مقدمو هذه الخدمات أرباحًا تحفز على الاستثمار في خدمات الحوسبة السحابية ومراكز البيانات والشرائح الإلكترونية (خصوصا "إنفيديا") وحتى شركات الكهرباء.

لكن جميع شركات برمجيات الذكاء الاصطناعي تواجه المأزق ذاته: أسعار منخفضة، وإيرادات ضئيلة، وخسائر فادحة، وتوقعات برفع الأسعار.

لا يُمكن أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد. فستضطر الشركات التي تبيع منتجات الذكاء الاصطناعي إلى رفع أسعارها. وبدأت "أنثروبيك" بذلك الآن، محتذية حذو منافستيها الأصغر، "أنيسفير" و "ريبليت". فقد صرحت الشركة أنها ستحدد عدد الرسائل المسموح بها لكل جلسة بناءً على طول الرسائل وحجم الملفات ونوع النموذج المستخدم.

ألمح سام ألتمان، رئيس "أوبن أيه آي"، سابقًا إلى رفع الأسعار هذا العام. ومع حاجة الشركة لجمع تمويل كل بضعة أشهر، فمن المرجح أن ترفع أسعارها قريبًا. ومن المتوقع أن تكون ردة الفعل مشابهة لغضب مستخدمي "أنثروبيك".

وكما جاء في مقال بعنوان "مستخدمو أنثروبيك ينفجرون بعد رفع الأسعار"، "يكشف هذا الجدل مشكلةً وشيكةً تواجه صناعة الذكاء الاصطناعي: كيف ستجني الأرباح؟ خصوصا أن تدريب النماذج وتشغيلها مكلفان للغاية - ما يعادل 5 إلى 10 أضعاف تكلفة استعلامات محركات البحث".

ما لا يفهمه المستثمرون أن أرباح شركات التكنولوجيا من السحابة والمعالجات تأتي من واقع غير مستدام، فشركات مثل "أوبن أيه آي" و"أنثروبيك" تبيع خدماتها بخسارة بينما تدفع مبالغ طائلة مقابل استخدام السحابة.

ماذا سيحدث عندما ترتفع الأسعار؟ الجواب من دروس مبادئ الاقتصاد، سينخفض الطلب على خدمات الذكاء الاصطناعي، ويتخفض معه الطلب على خدمات السحابة، ومراكز البيانات، والمعالجات، وحتى الكهرباء.

الشركات الأكثر وعيًا بهذه الأزمة هي شركات الكهرباء، التي لا ترغب في بناء محطات جديدة دون ضمانات من شركات التكنولوجيا في تمويلها.

يعتمد انخفاض الطلب على حجم الزيادة في الأسعار، وعلى ما إذا كانت شركات الذكاء الاصطناعي ستقدم خدمات موثوقة تُبرر السعر الأعلى.

في 2000، وخلال ذروة فقاعة الإنترنت، بلغت إيرادات الإنترنت (من الاشتراكات، والتجارة الإلكترونية، وأجهزة الكمبيوتر) نحو 1.5 تريليون دولار (بأسعار 2024)، وهو رقم يفوق بكثير ما يُتوقع أن تحققه خدمات الذكاء الاصطناعي هذا العام، من 20 إلى 30 مليار دولار فقط. ليس واردا أن يدفع المستخدمون أكثر مقابل خدمات لا يمكن الاعتماد عليها، خاصة حين تكون تكلفة الأخطاء مرتفعة.

الأكثر قراءة