تعهدات بلا ضمانات .. خبراء يشككون في جدوى اتفاقيات ترمب التجارية
يروج الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتعهدات كبار الشركاء التجاريين باستثمار مليارات الدولارات في الولايات المتحدة على أنها انتصار لسياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها. لكن خبراء في التجارة يرون أن هذه الالتزامات تثير تساؤلات أكثر مما تقدم إجابات واضحة.
كان ترمب قد أكد مرارا وتكرارا أن الولايات المتحدة تجذب الآن تريليونات الدولارات من الاستثمارات، وزار رؤساء دول ومديرو شركات كبرى البيت الأبيض، مقدمين وعودا باستثمارات ضخمة.
وأخيرا، صرّح ترمب أن بإمكان الدول خفض معدلات الرسوم الجمركية من خلال الالتزام بالاستثمار في أمريكا أو شراء المنتجات الأمريكية أو كليهما.
من الأمثلة على ذلك أنه هدد بفرض رسوم نسبتها 25% على الواردات من كوريا الجنوبية، ثم ما لبث أن أعلن بعد ساعات عن اتفاق تضمن تخفيض الرسوم إلى 15% مقابل تعهد كوري باستثمار 350 مليار دولار.
لكن في المقابل، يرى المحللون أن من غير الواضح كيف يمكن للولايات المتحدة إنفاذ هذه الاتفاقيات، ولا حتى الشكل الذي ستتخذه، وفقا لمجلة "بارونز". كما يعتبر خبراء هذه التعهدات لم ترق إلى التوقعات.
تفاصيل غائبة في اتفاقات ترمب التجارية
يشير المحللون الذين استندت إليهم المجلة إلى "غياب التفاصيل" في الالتزامات الجديدة، خصوصا بشأن كيفية تنفيذ الاتفاقات أو آليات فرضها، إن وُجدت أصلا.
أشهر مثال على ذلك أن الصين لم تف بالتزاماتها بشراء منتجات زراعية في المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي أبرمه ترمب خلال ولايته الأولى.
يدفع أصحاب هذا الرأي كذلك بأن الشركاء التجاريين لا يستطيعون إجبار القطاع الخاص على الاستثمار.
مثال ذلك، اتفاق الاتحاد الأوروبي، حيث نقلت "بارونز" عن متحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن الجزء الاستثماري، البالغة قيمته 600 مليار دولار من اتفاقية التجارة، كان "غير ملزم"، استنادا إلى تقديرات المفوضية الأوروبية على نوايا الصناعة تجاه الاستثمار في أمريكا.
كما أن الأرقام نفسها غير واضحة. فلا يُعرف ما إذا كانت الاستثمارات المعلنة سابقا، مثل خطة "سامسونج" لبناء مصنع رقائق في تكساس، التي أُعلن عنها في عهد بايدن، محسوبة ضمن أرقام ترمب.
خلاف على التوصيف .. ماذا سيفعل ترمب إذا أخل شريك بتعهداته؟
في مقابلة مع قناة "سي إن بي سي"، شبّه ترمب تلك الاستثمارات بأنها "مكافأة توقيع". وقال: "هذا مالنا لنستثمره كما نشاء".
وعندما سُئل عن العقوبة التي سيستخدمها حال أخّلت إحدى الدول بالتزاماتها، قال "إن الرسوم سترتفع مجددا". وقالت إدارته "إن الرئيس يحتفظ بالحق في تعديل الرسوم إذا أخلّت أي دولة بالتزاماتها"، كما ورد في وثائق الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي واليابان.
لكن دولا مثل اليابان رفضت التوصيف الذي طرحه ترمب للاتفاق التجاري معها، الذي تعهدت طوكيو بموجبه بتأسيس صندوق استثمار بقيمة 550 مليار دولار في قطاعات حيوية داخل أمريكا، تشمل الطاقة، والشحن، والرقائق، والأدوية.
كان ترمب قد أكد أن هذه الأموال ستكون تحت تصرفه، وستذهب 90% من الأرباح للولايات المتحدة. غير أن اليابان أوضحت أن التمويل سيكون مزيجا من الأسهم والقروض وضمانات القروض، ما يثير تساؤلات حول كيفية حصول الولايات المتحدة على معظم الأرباح.
من سيقرر وجهة أموال الاستثمارات التي ستتدفق إلى أمريكا؟
يرى مراقبون للشأن التجاري أن هذه التعهدات تشبه بعض جوانب قانون خفض التضخم وقانون "الرقائق" في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، لكن مع فرق جوهري: صادق الكونجرس على تلك القوانين، لكن تعهدات ترمب تبقى خاضعة لـ"تقديره الشخصي".
مارك بوش، الخبير في التجارة الدولية والقانون: "إن الخط الفاصل بين السياسة الصناعية والتجارية أصبح غير واضح".
ويحذر الخبير، الذي عمل سابقا مستشارا لوزارة التجارة ومكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، من أن عبارة "تحت تقديري" قد تعني أن ترمب، وليس السوق، هو من يقرر وجهة الأموال.
"قد يعني هذا أن الأموال لا تذهب إلى حيث تحتاجها، بل إلى حيث تُحقق مكاسب سياسية، وهذا ما كان دائما مصدر قلق السياسات الصناعية، أياً كان المسؤول عنها"، بحسب بوش.
أشار محللون كذلك إلى أن تلك الاستثمارات قد تستغرق سنوات لتؤتي ثمارها، في وقت تحتاج فيه الشركات الأجنبية إلى استقرار سياسي قبل أن تفي بوعودها الاستثمارية، وهو غير مضمون في ظل غموض السياسات الحالية والمستقبلية.