«فوستر عظيم».. من هو بائع المثلجات الذي امتدح ولي العهد السعودي مشروعه الهندسي؟
استعرض الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير صورة لمحادثة جمعته مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يتناولان فيها التصميم النهائي لمشروع مطار أبها الجديد والمتوقع أن تصل طاقته الاستيعابية إلى 13 مليون مسافر سنويا، وبمجرد نشر الصورة خلال الساعات الماضية، ظهر تساؤل كبير، من هو "فوستر" الذي وصفه ولي العهد بـ"العظيم" أثناء المحادثة؟
ولد نورمان روبرت فوستر عام 1935 ببلدة صغيرة في ضواحي مانشستر بإنجلترا، وبصفته ابن وحيد اضطرت أسرته إلى تركه عند الجيران فترات طويلة من اليوم حتى يتمكنا من العمل وتدبير احتياجاتهم المالية وهو ما سمح للصغير بممارسة هواية الرسم من سن الرابعة مقلدًا أباه الذي عمل رسامًا آليا في أحد المصانع، كما أثرت تلك الفترة في شخصيته التي صارت تميل للهدوء والعزلة ما جعله مثارا للتنمر من زملائه في المدرسة حتى سن الـ16.
بين السعي وراء شغفه أو إعالة نفسه للتخفيف عن كاهل أسرته، انحاز فوستر للخيار الأخير فحصل وهو في سن الـ16 على وظيفة مكتبية بإحدى الشركات ثم أدى خدمته الوطنية في سلاح الجوي الملكي مفضلًا إياه بسبب هوسه بالطائرات كما سيتضح لاحقا، أما مسيرته المهنية فبدأت في العام نفسه 1956 حين التحق بشركة معمارية محلية كمساعد لمدير العقود براتب قدره 100 جنيه إسترليني ولاحظ رئيس الشركة بيردشو موهبة الموظف الجديد في الرسم فساعده على تطوير مهاراته ثم عينه رئيسًا لقسم الرسم.
"التصميم الجيد يجب أن يكون صلبًا ومرنًا في نفس الوقت"، قاعدة اتبعها فوستر في حياته قبل مشاريعه، فالتحق بكلية الهندسة المعمارية وتخطيط المدن بجامعة فيكتوريا في الوقت نفسه الذي عمل فيه موظفًا بشركة وأعمال أخرى كبائع مثلجات وحارس أمن ومصنع للكعك، وبعد 3 سنوات من العمل الشاق تم الاعتراف بموهبته حين حصد جائزة قدرها 105 جنيهات إسترلينية من المعهد الملكي للمهندسين البريطانيين عن رسمه لطاحونة بورن الهوائية، ورغم ضآلة المبلغ لكنها كانت البداية التي فاز بسببها بزمالة هنري في كلية ييل للهندسة المعمارية في نيوهافن وحصل منها على درجة الماجستير ليكون جاهزا في 1963 لتأسيس شركته "تيم فور" مع شركائه ويندي تشيزمان والأخوات جورجي لكن بعد 4 سنوات انفصل عنهم وأسس شركته فوستر آند بارتنرز التي جلبت له العالمية.
السير ستيوارت ليبتون وهو مطور عقاري في لندن يصف فلسفة فوستر المعمارية بأنها "الحداثة الناعمة"، فكل مبنى أو مشروع صممه يتميز بالنظام ووضوح خطوط الرؤية والحركة، غير أنه قادر على صنع نماذج للمنشآت التجارية وأخرى للمتاحف والمعالم الدينية والتي يسميها فوستر "مشاريع استثنائية"، وبتلك الفلسفة تمكن على مدار عقود من تصميم أبرز المعالم الإنشائية مثل القبة الزجاجية لمبني الرايخستاغ ببرلين، مطار هونج كونج، جسر ميلاو بفرنسا، المقر الرئيسي لشركة أبل، برج هريست نيويورك، أبل بارك كاليفورنيا وغيرهم الكثير.
يرى فوستر أن الأهم من كل تلك الإنجازات هو اسمه الشخصي الذي أصبح علامة تجارية عالمية، فالرجل الذي بدأ حياته فقيرًا أصبح يعمل معه 2400 مهندس في 18 مكتبا موزعين على 12 دولة، كما أضحى يتفقد مشاريع من خلال طائرة هيلكوبتر غير جوائز التصميم التي حصل عليها جميعها من أصغر جائزة وصولًا إلى جائزة بريتزكر الموصوفة بـ"نوبل الهندسة المعمارية" عام 1999 كما منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب "لورد".
ناطحة سحاب واحدة يمكنها توفير كثير من استهلاك الطاقة، نظام نقل ذكي هو الأنسب في عصر تغيير المناخ، تعبيرات صكها نورمان فورست ليمزج بين العمارة والبيئة وهو ما تلاقى مع رؤية 2030 التي وضعت الاستدامة كشرط رئيسي في مشاريعه المستقبلية، ورغم أن المعماري البريطاني يوجد في السعودية منذ أوائل التسعينيات لكن بصماته ظهرت مع الرؤية السعودية فتولت شركته بتصميمات لعدة مشاريع كبرى مثل تصميم الجناح السعودي في إكسبو 2025، محطات قطار الحرمين، تطوير مطار الملك سلمان الدولي، تصميم أطول ناطحة سحاب في العالم بالرياض، مطار البحر الأحمر الدولي، بجانب مشاركته في مشاريع ذا لاين ونيوم وأخيرًا مطار أبها الجديد.
طبيعة السعودية الجغرافية منحت فوستر مجالا أوسع لإطلاق خياله في التصميميات وظهر ذلك في مطار أبها الجديد الذي صمم ليحاكي التراث والهوية الثقافية لعسير التي تعد إحدى أكثر مناطق السعودية إخضرارًا كما تتميز بمناخ معتدل وجبال شاهقة، وبينما اهتم الخبراء الاقتصاديون بتصميميات المعماري البريطاني كونها مشاريع ذات عوائد اقتصادية كبيرة وتجسيدًا واقعيًا للرؤية، كان خبراء آخرون يؤكدون أن المشاريع ستتحول إلى تحف فنية قادرة على جذب السائحين لالتقاط الصور بجوارها فقط، لأن هذا ما يحدث مع مشاريع فوستر الذي وصفه المعماري العالمي كارل أبوت في مجلة نيويوركر قائلًا: "فوستر مثل المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ، كلاهما قادر على إنتاج أعمال ضخمة ناجحة فنيًا وجماليًا".