"بريكست" بعد 9 سنوات.. هل تعافت المملكة المتحدة اقتصاديا؟
قررت المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وخلف بذلك تأثيرا طويل الأمد في اقتصادها. ورغم مرور تسع سنوات، تشير أحدث المؤشرات إلى أن الاقتصاد لا يزال يعاني تداعيات "بريكست" مع استمرار ضعف الإنتاجية وتراجع النمو وفق تحليل خبراء نقله موقع "يورو نيوز".
أداء الاقتصاد الكلي
تقلص الناتج المحلي الإجمالي على مدى شهرين متتاليين، مصحوبا بارتفاع التضخم والبطالة في ظل بيئة جيوسياسية غير مستقرة وحروب تجارية.
في الربع الأول من 2025، نما الناتج المحلي الإجمالي 0.7%، لكن ذلك لم يمنع تراجع الإنتاج في أبريل ومايو، بمعدلات بلغت 0.3% و0.1% على التوالي.
وفقًا لوكالة ستاندرد آند بورز العالمية، تضع هذه الأرقام الاقتصاد على مسار نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1% في الربع الثاني، إذا بقي النمو ساكنا في يونيو.
أما التضخم فقد ارتفع إلى 3.6% في يونيو، ما يزيد الضغط على بنك إنجلترا لتحقيق مستهدف 2% قبل خفض أسعار الفائدة، التي وصلت حاليًا إلى 4.25%.
قالت ماريون أميوت، كبيرة الاقتصاديين البريطانيين في وكالة ستاندرد آند بورز العالمية، لموقع "يورونيوز"، إن هذه البيانات الضعيفة تُشير إلى أن اقتصاد المملكة المتحدة "يفتقر إلى القدرة الكافية على النمو حاليا".
يتطلع بعض الأطراف إلى تعزيز الناتج المحلي من خلال التصدير واتفاقيات التجارة، إلا أن تراجع الإنتاجية بسبب تباطؤ الاستثمار بعد "بريكست" يعرقل التعافي.
سوق العمل والبطالة
تُشير إحصاءات العمل في المملكة المتحدة إلى مسار صعب للاقتصاد. فقد انخفض عدد الوظائف الشاغرة منذ أبريل 2022. وارتفع معدل البطالة في منذ أغسطس 2024، وبلغ 4.7% في مايو، وهو أعلى مستوى له في أربع سنوات.
وقالت سارة كولز، رئيسة قسم التمويل الشخصي في شركة هارجريفز لانسداون: "لقد تباطأ نمو الأجور، وارتفع معدل البطالة مرة أخرى. ويرى بنك إنجلترا أن هذان مؤشران على وجود فائض في سوق العمل، ما قد يُخفف الضغوط التضخمية، ويتيح خفض أسعار الفائدة عاجلًا وليس آجلًا".
كلفة "بريكست" الحقيقية
بعد تسع سنوات، خلص مكتب الميزانية البريطاني إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد خفض الإنتاجية 4٪ والتجارة 15٪ مقارنةً بالسيناريو الافتراضي (البقاء بالاتحاد)، مع تأثير ملحوظ في الاستثمار.
وبحسب جون سبرينجفورد، من معهد الإصلاح الأوروبي للأبحاث، بلغت خسائر الدولة نحو 40 مليار جنيه إسترليني منذ 2019، مشيرًا في دراسة حديثة إلى أن جزءًا كبيرًا من زيادات الضرائب كانت لملء الفراغ الاقتصادي الناتج عن خروجها.
هل انتهى الأسوأ؟
تقول ماريون أميوت من "ستاندرد آند بورز" إن "تداعيات بريكست على نمو المملكة المتحدة ستدوم طويلًا" بسبب انخفاض القوى العاملة وضعف المنافسة والإنتاجية. لكنها لفتت إلى أن أغلبية التداعيات الكبيرة قد حدثت بالفعل.
شهدت السنوات التي تلت خروج بريطانيا شكوكا متزايدةً من الشركات، فقد تراجع الاستثمار وظل راكدًا خمس سنوات. لكنه عاد للنمو، متجاوزًا مستوياته قبل "بريكست".
كما أن أحجام التجارة مع الاتحاد الأوروبي لا تزال ضعيفة، لكن يُمكن أن يُعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل الأخرى، بما فيها جائحة كوفيد-19 والتباطؤ العالمي في تجارة السلع.
التصدير وإستراتيجية التعافي
يقول أندرو هنتر، المدير المساعد في وكالة "موديز"، لـ "يورونيوز" أن الصادرات لا تزال مثقلة بتداعيات بريكست، فصادرات السلع إلى الاتحاد الأوروبي أقل 16٪ عن مستويات نهاية 2019.
ومع أنه يؤمل أن تُحسّن اتفاقية التجارة الأخيرة مع الولايات المتحدة الاقتصاد من خلال جذب الاستثمارات إلى البلاد، إلا أن الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها الدولة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، قدّمت دعمًا محدودا لبعض القطاعات مثل صناعة الطيران، وكان تأثيرها على الاقتصاد الكلي محدودا.
تُقدّر وكالة "ستاندرد آند بورز" أن الرسوم الجمركية الأمريكية ستقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنحو نقطة مئوية واحدة خلال 2025 و2026، وذلك نتيجة ضعف الطلب العالمي.
ووفقًا للخبير الاقتصادي سبرينجفورد، فإن اتفاقيات التجارة الحرة التي وُقّعت منذ بريكست لم تُعوض سوى 0.2% من خسارة تُقدّر بـ 4% من الناتج المحلي الإجمالي. وحتى في حال توقيع اتفاق تجارة حرة شامل مع الولايات المتحدة، فلن تتجاوز الفائدة الإجمالية 0.35%.
توقعات اقتصادية غامضة
يكتنف آفاق النموّ المستقبلية غموض بسبب ضعف الإنتاجية وتنفيذ السياسات. فأي تعافٍ محتمل قد يظل محدودًا إذا لم تنطلق إصلاحات هيكلية وسياسات فعالة تدعم الابتكار وتبني القوى العاملة.
على المدى القصير، غذّى الناتج الاقتصادي المتردي حاليًا التوقعات بأن الحكومة ستضطر إلى رفع معدلات الضرائب في النصف الثاني من العام لتعويض الإيرادات الضريبية، ما سيُقيّد نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر.
على المدى الطويل، يتفق الخبراء على أن نمو المملكة المتحدة سيكون أبطأ مما لو بقيت في الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن انعزالها عن السوق الأوروبية يضيّع عليها فرص العمل والاستثمار والتجارة.
وبناءً على ذلك، يبقى المصدر الرئيس لعدم اليقين والمخاطر هو الإنتاجية، وفقًا لأميوت، كبيرة الاقتصاديين البريطانيين في وكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيف الائتماني.