نجم اليوان الصيني يواصل الصعود رغم استمرار هيمنة الدولار

نجم اليوان الصيني يواصل الصعود رغم استمرار هيمنة الدولار

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمعركة الرسوم الجمركية التي تخوضها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، التي أسفرت حتى الآن إبراب اتفاقات تجارية مع 4 دول، تعمل الصين بهدوء على تعزيز مكانة عملتها الوطنية "اليوان" في النظام المالي العالمي.

حتى الآن، أبرمت الصين اتفاقيات تبادل بعملتها الوطنية مع 40 دولة، لتسهيل التجارة والاستثمار. كذلك، فقد أنشأت نظم تسوية مالية باليوان.

وبينما تخطط بكين لإطلاق مركز دولي لليوان الرقمي في شنغهاي، دعا محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) إلى تنويع النظام النقدي العالمي على نحو تضطلع فيه العملة الوطنية الصينية بدور مهم.

تبدو الصين قد حققت تقدما واضحا في إعلاء كلمة عملتها المحلية، يعزوه خبراء تحدثوا لـ "الاقتصادية" إلى أثر تقلبات السياسة الخارجية والاقتصادية للولايات المتحدة، وتراجع قوة الدولار، فضلا عن التوترات التجارية مع الحلفاء والضعف الاقتصادي الداخلي.

كل هذه العوامل أسهمت في دفع عديد الدول إلى البحث عن بدائل للعملة الأمريكية، ليبرز اليوان الصيني كخيار مناسب، بحسب الخبراء.

اليوان ما زال بعيدا عن المنافسة رغم النجاحات

يرى الدكتور ميلر ووكر، أستاذ النظم المالية، أن الصين نجحت أخيرا في سياساتها طويلة المدى لتعزيز قوة عملتها "حيث نمت تسوياتها العابرة للحدود باليوان 86% عام 2023".

كذلك، "تحوّلت دول مثل الأرجنتين والبرازيل إلى التعامل باليوان بدلا من الدولار، وأصبح إجمالي إقراض الصين الخارجي باليوان يتجاوز الآن مجموع إقراض البنك الدولي ونادي باريس"، بحسب ما قاله ووكر لـ "الاقتصادية".

لكن في القابل، يرى خبراء آخرون أن اليوان ما زال بعيدا عن منافسة العملات الكبرى، حيث احتلت العملة الصينية في أبريل الماضي المركز الخامس بنسبة 3.2% من المدفوعات العالمية، بينما استحوذ الدولار على نحو 49%. وعلى صعيد سوق الصرف الأجنبي، يشكل معدل تبادل الدولار إل اليوان نحو 6.6% من التداولات، مقارنة بنحو 88.5% للدولار.

غير أن الدكتورة أنجيل كوبلي، أستاذة الاقتصاد الدولي، ترى أن مقارنة هذه المؤشرات لا تكشف إستراتيجية الصين الحقيقية، إذ لا تسعى بكين من وجهة نظرها حاليا إلى الإطاحة الدولار، بل إلى إنشاء نظام مالي عالمي مواز، يعمل فيه اليوان جنبا إلى جنب مع العملة الأمريكية.

وقالت لـ "الاقتصادية": "يجب قياس تقدم اليوان بمدى نجاحه في بناء بدائل عملية للدولار في مجالات التجارة والتمويل والطاقة والبنى التحتية والمدفوعات الرقمية، لا بنسبة احتياطياته العالمية فقط".

الصين تتبنى إستراتيجية لتعزيز قوة عملتها

تبدو إستراتيجية الصين واضحة، منذ أن عمقت روابطها المالية عبر "مبادرة الحزام والطريق"، مقدمة خطوط ائتمان مقومة باليوان وداعمة لإصدارات السندات الخارجية بالعملة المحلية.

أطلق بنك الشعب الصيني كذلك نظام المدفوعات العابرة للحدود كبديل لشبكة سويفت، من أجل تسريع وتيرة تسوية المعاملات باليوان وخفض تكاليفها.

وبنهاية 2024، تجاوز عدد المشاركين المباشرين في البديل الصيني لشبكة سويفت 153 مؤسسة ماليّة حول العالم.

هذا التوجه يلقى ترحيبا من شركاء الصين، في ظل تزايد الاستقطاب المالي في العالم، وهو ما يكسب اليوان زخما، ليس فقط لأنه يقدم بديلا أفضل من الدولار، بل لأنه يتيح أيضا وسيلة لتقليل التعرض لتقلبات السياسية الأمريكية.

ويوفر الوصول إلى قنوات التعامل باليوان تحوطا للدول الخاضعة لعقوبات أمريكية، أو تلك التي تخشى الاعتماد على الدولار، ما يجنبها المشكلات الناجمة عن هكذا اعتماد.

اليوان يمضي في طريق محفوف بالتحديات

مع هذا، يرى الخبير المصرفي فوكس كلارك أن الطريق أمام اليوان محفوف بالتحديات البنيوية.

فالحسابات الرأسمالية في الصين لا تزال جزئية الانفتاح، مع قيود صارمة على التدفقات الخارجية وتعديلات مفاجئة على نطاقات التداول.

وقال لـ "الاقتصادية": "تؤدي هذه الضغوط إلى ارتفاع التقلبات، ما يبقي بعض المستثمرين في مواقع الحياد. في مايو 2025، سجلت مدفوعات اليوان عبر سويفت تراجعا شهريا بنسبة 23%، مقارنة بانكماش السوق الأوسع بنسبة 6.8%، في مؤشر على تراجع بعض المؤسسات وسط حالة عدم اليقين العالمي".

في الوقت ذاته، يعتقد كلارك أن من الخطأ الاعتقاد بأن الصين تخوض صراعا مباشرا مع النظام المالي القائم على هيمنة الدولار.

وبحسب الخبير المصرفي، فإن الصين تبني تدريجيا شبكة من الترتيبات الثنائية والإقليمية، لتخلق مسارا يمنحها ميزة اقتصادية، ويخفف كذلك تدريجيا اعتمادها واعتماد شركائها على الدولار، يزيد قوتها في منافستها مع الولايات المتحدة على الهيمنة المالية العالمية مستقبلا.

الأكثر قراءة