المخاوف التجارية تخيم على آفاق عملات الملاذ الآمن.. هل ترتفع فرص الدولار السنغافوري؟
خيمت المخاوف التجارية على آفاق عدد من عملات الملاذ الآمن التي يلجأ إليها المستثمرون في أوقات عدم اليقين، في مقابل ذلك عززت الأسس الاقتصادية المتينة والمرنة فرص الدولار السنغافوري كمحطة تالية لحماية الأصول.
وفي حين أن الدولار الأمريكي لا يزال العملة الاحتياطية المفضلة عالميا، إلا أنه يشهد تراجعا، إذ انخفض مؤشر الدولار أكثر من 9% منذ بداية العام. كما عزز تأثر الين الياباني بالغموض الاقتصادي العالمي من قوة البديل السنغافوري الذي يشهد إقبالا لا سيما في أسيا.
كريستوفر وونج، خبير استراتيجيات العملات الأجنبية في بنك OCBC، يقول لشبكة "سي إن بي سي" إن الدولار السنغافوري يؤدي دور قريب من الملاذ آمن، لا سيما في الأسواق الناشئة، مضيفا "رغم عدم تمتعه بمكانة الدولار والين الياباني والفرنك السويسري، إلا أنه يميل إلى إظهار خصائص دفاعية خلال فترات الضغوط المالية".
ويشهد الدولار السنغافوري ارتفاعا مقابل الدولار، حيث ارتفع نحو 6% منذ بداية العام، وتشير التقارير إلى أن مجموعة جيفريز تتوقع أن تصل العملة إلى مستوى التكافؤ مع الدولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
من جانبه، قال عمر سليم، الرئيس المشارك لقسم الدخل الثابت في آسيا في شركة باينبريدج إنفستنتس: "يُعد الدولار السنغافوري أحد الملاذات الآمنة في العالم، ولكنه قد لا يكون الملاذ الآمن التالي".
وأوضح أن ما يمنحه هذه المكانة هو "قوة الإطار المؤسسي لسنغافورة، والأسس الاقتصادية المتينة والمرنة لسنغافورة، إضافة إلى قوة صنع السياسات، لا سيما فيما يتعلق بالحذر المالي".
ويتفق فيليكس بريل، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك VP، مع هذا الرأي، مشيرا إلى أن الدولار السنغافوري يتميز بعديد من خصائص الملاذ الآمن الحديث، بما في ذلك استقرار الاقتصاد الكلي، والمؤسسات القوية، وفائض كبير في الحساب الجاري، وانخفاض المخاطر السياسية.
وعلى خلاف أغلب الدول، لا تعتمد سنغافورة على أسعار الفائدة لإدارة سعر صرف عملتها، بل تُعزز عملتها أو تُضعفها مقابل سلة من عملات شركائها التجاريين الرئيسيين ضمن نطاق سعري محدد، دون الكشف عن مستوياته الدقيقة. وتُترك للعملة حرية الحركة ضمن هذا النطاق.
السياسة النقدية تمنح الاستقرار للعملة السنغافورية
رغم المؤهلات التي يمتلكها الدولار السينغافوري، يرى خبراء أن أمامه عقبات عدة قبل أن يصبح ملاذا آمنا عالميا معتمدا على نطاق واسع.
أولها حجم سوق الدولار السنغافوري.
كشفت بيانات بنك التسويات الدولية لعام 2022 أن الدولار الأمريكي شكل 88% من سوق الصرف الأجنبي، بينما شكل الين والفرنك السويسري 17% و5% على التوالي، أما الدولار السنغافوري فلم يتجاوز 2%.
وقال بريل: "رغم أن سنغافورة تحظى باحترام كبير، إلا أن اقتصادها صغير، ولا يتمتع الدولار السنغافوري بحجم تداول أو عمق سوق سندات مماثل للين أو الفرنك".
كما أن السياسة النقدية التي منحت الاستقرار للعملة السنغافورية، بحسب بريل، هي نفسها ما يحد من قدرة العملة على التوسع، موضحا أن إدارة العملة تحد من مضاربات الأسواق واتخاذ مراكز مالية ضخمة، ما يحد بدوره من سيولتها وعمقها. هذه سمات رئيسية يبحث عنها المستثمرون في ملاذ آمن عالمي حقيقي.
أرقام البنك الدولي
ومن العوامل الأخرى اعتماد اقتصاد سنغافورة على التصدير. تشير أرقام البنك الدولي إلى أن الصادرات شكلت 178.8% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة في 2024.
وبناء على ذلك، قد لا ترغب سلطة النقد السنغافورية في ارتفاع الدولار السنغافوري بشكل كبير، وفقا لترينه نجوين، كبيرة الاقتصاديين في شركة ناتيكسيس للخدمات المصرفية والاستثمارية.
وقالت نجوين إنه إذا اندفع المستثمرون نحو أصول مقومة بالدولار السنغافوري، فسترتفع قيمته. وإذا أصبح غير تنافسي، فإن سلطة النقد لن تتسامح مع ذلك لأنه يضر بتنافسية الاقتصاد.
وترى جين تشيا، كبيرة مسؤولي الاستثمار في بنك سنغافورة، أن الدولار السنغافوري يمكن أن يلعب دورا مهما في تنويع المحافظ الاستثمارية، مضيفة أنه قد يصبح العملة الثالثة في نقاشات تنويع العملات.
اتفق الخبراء على أن عملة سنغافورة لديها القدرة على اكتساب مكانة تُضاهي الفرنك السويسري تدريجيا، إن لم يكن الين أو الدولار الأمريكي.
بريل يشير إلى أن مكانة الملاذ الآمن تُكتسب عبر عقود من الأداء المتماسك في أوقات الأزمات، ورغم أن الدولار السنغافوري أثبت جدارته في الأزمات الآسيوية، إلا أنه لم يصبح بعد الملاذ الأول خلال فترات التباطؤ العالمي.
واختتم قائلا: "مع مرور الوقت، قد يُغير الاستخدام الدولي المتزايد، وسهولة الوصول إلى الأسواق المحلية، والاستقرار المستمر، هذا الوضع تدريجيا".