نسخ طبق الأصل تهز اقتصاد العلامات الفاخرة
في أحد المطاعم الفاخرة بولاية نورث كارولاينا، لفتت حقيبة يد فاخرة من جلد التمساح أنظار سيدة نحو إحدى الحضور، ظنًّا منها أنها من طراز "بيركن الهيمالايا" النادر من هيرمس، والذي قد يتجاوز سعره عشرات آلاف الدولارات. لكن المفاجأة كانت عندما أخبرتها صاحبة الحقيبة، وهي مؤثرة على تيك توك، بأنها نسخة مقلّدة "ممتازة"، وأرشدتها إلى موزع خاص لهذه "النسخ".
هذه الحقيبة ليست مزيفة بالمعنى التقليدي؛ إنها من جيل جديد من التقليد، نسخ مطابقة للأصل، قد يتراوح سعرها بين 500 و5 آلاف دولار، لكنها لا تختلف ظاهريًا عن الحقيقية. يُطلب معظمها عبر تطبيقات مشفرة مثل واتساب وتيليجرام، ويُقدّم للمشترين خدمة عملاء مباشرة، وشحن احترافي في علب تحمل شعارات العلامات الأصلية.
تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، تغيّر مفردات السوق يعكس حجم الظاهرة؛ فبدل "مزيفة"، تُسمى هذه النسخ الآن بـ"مرايا"، أو "نسخ طبق الأصل". وقد اندلعت عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي في أبريل عندما نشر مزورون صينيون مقاطع يزعمون فيها أن كبرى العلامات التجارية الفاخرة تُصنّع حقائبها سرًا بأسعار زهيدة في الصين.
في معظم الحالات، كانت الادعاءات الواردة في هذه المقاطع زائفة. لكن بات الشباب، خصوصًا من جيل الألفية والجيل زد، أكثر تقبلًا لها، حتى أن بعضهم يرون اقتناء النسخة المزيفة نوعًا من التحدي والاعتراض على العلامات الفاخرة وأسعارها المبالغ بها. وفقًا لتقديرات شركة بيرنشتاين، تباع بعض الحقائب الفاخرة مثل "ليدي ديور" بأكثر من 15 ضعف كلفتها التصنيعية.
وأظهرت بيانات من شركة باين آند كو أن إنفاق الشباب على السلع الفاخرة تراجع بنحو 5 مليارات دولار العام الماضي مقارنة بعام 2023، ما يطرح احتمال أنهم يتجهون نحو النسخ، وليسوا فقط متأثرين بالضغوط الاقتصادية.
وفي عالم إعادة بيع السلع الفاخرة، ظهرت تحديات جديدة. بعض النسخ المقلّدة متقنة لدرجة أن حتى العاملين في متاجر العلامات الأصلية لا يستطيعون التمييز بينها. في "تحدٍّ للتحقق من الأصالة" لمعرفة ما إذا كان بإمكان المتسوقين التمييز بين الأصلي والمزيف، تعرض منصة "فاشون فايل"، لإعادة بيع القطع الفاخرة المستعملة، في نيويورك حقيبة لوي فويتون مزيفة بجوار الأصلية. أما منصة ذا ريل ريل، شركة منافسة تمارس النشاط نفسه، فقد اضطرت للاستثمار في أجهزة الأشعة السينية وتكنولجيات تحليل المعادن للتفريق بين النسخ.
كيف أصبحت هذه النسخ بهذه الجودة؟ يربط مختصون ذلك بسرقة بيانات تصنيعية تُعرف بـ"الحزم"، ملف يحتوي على كل التفاصيل التقنية للحقيبة، من الخياطة إلى نوع الجلد.
كما تحاول المصانع المقلدة تجنيد عمال من المصانع الأصلية، مقابل أجور مغرية. تدفع "هيرميس" لحرفيي حقائب اليد في فرنسا ما يعادل 40 ألف دولار سنويًا، شاملةً المكافآت، وذلك بناءً على تقييمات رواتب موقع جلاس دور. وهذا أقل مما تتقاضاه العلامة التجارية من عملائها الأمريكيين مقابل حقيبة بيركين واحدة من جلد التمساح. أُدين بعض موظفي الشركة السابقين عام 2020 بتهمة إدارة شبكة تقليد خارج نطاق عملهم.
ولا تزال معظم المنتجات المقلدة تُصنع بالطريقة التقليدية: يشتري المقلّد حقيبة أصلية، ويفككها ليرى كيف صُنعت، ثم يُجري هندسة عكسية لحقيبة مزيفة.
تُنتج أفضل النسخ غالبًا في مصانع صينية تعمل نهارًا لصالح علامات أزياء قانونية، وتحوّل نوبتها الليلية لتقليد السلع الفاخرة. ويحقق بعض البائعين المستقلين أرباحًا تصل إلى 20 ألف دولار شهريًا من العمولات، بينما تدر الحقيبة الواحدة أرباحًا صافية تتجاوز 400 دولار.
وتؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تعزيز الطلب على "النسخ طبق الأصل". هذا النموذج الجديد للتوزيع عبر الإنترنت أربك العلامات الفاخرة. فبدلاً من شحنات جماعية يسهل اعتراضها في الجمارك، أصبحت الحقائب المزيفة تصل طرودا فردية يصعب تتبعها. وللتعامل مع ذلك، توظف الشركات الفاخرة محققين خاصين يتسللون إلى مجموعات مغلقة على تيلجرام أو إنستجرام.
كما تحقق مصانع المنتجات المقلدة أرباحًا طائلة. تبلغ تكلفة إنتاج حقيبة مزيفة عالية الجودة في الصين نحو 150 دولارًا، شاملةً العمالة والمواد الخام. ويمكن أن تصل هوامش الربح التشغيلية إلى 50% أو أكثر إذا كان المصنع يُدير مبيعاته مباشرةً. أما العلامات التجارية الفاخرة الأصيلة، فهي محظوظة بتحقيق هامش ربح تشغيلي بنسبة 40% على حقائب اليد، إذ يتعين عليها إنفاقها على متاجر فاخرة، ورواتب معيشية، وميزانيات إعلانية بمليارات الدولارات.
رغم ذلك، لا تبدو العلامات مستعدة فعليًا للمواجهة. ففي 2023، أنفقت "إل في إم أتش" للعلامات الفاخرة، أكثر من 11 مليار دولار على الإعلانات، مقابل 45 مليون دولار فقط على جهود مكافحة التقليد. ومع صعود "النسخ طبق الأصل"، يبدو أن المزيف لم يعد ظلاً للأصل، بل منافسًا شرسًا.