حلول حفظ الطاقة .. ليست خياراً

في ظل النمو المتسارع الذي يشهده العالم، لم تعد حلول حفظ الطاقة مجرد خيار يمكن تأجيله، بل أصبحت ضرورة إستراتيجية لضمان استمرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. فحسب الوكالة الدولية للطاقة، ارتفع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة تزيد على 50% خلال العقدين الأخيرين، مدفوعًا بالنمو السكاني والتوسع الحضري والنمو الصناعي والاعتماد المتزايد على التقنيات الحديثة.

ومن المتوقع أن يزداد هذا الطلب بنسبة تصل إلى 60% إضافية بحلول 2050، مع دخول أكثر من مليار شخص إضافي إلى الطبقة الوسطى، وارتفاع مستويات الاستهلاك حول العالم.

هذا النمو لا يقتصر على القطاعات التقليدية كالصناعة والنقل، بل يمتد ليشمل قطاعات حديثة مثل مراكز البيانات، التي أصبحت تمثل اليوم نحو 2% إلى 4% من إجمالي استهلاك الكهرباء في بعض الاقتصادات الكبرى، ومن المرجح أن يتضاعف هذا الرقم خلال العقد المقبل نتيجة للانتشار المتسارع للذكاء الاصطناعي والتقنيات المعتمدة على الحوسبة السحابية. في رأيي، هذه المؤشرات تظهر بوضوح أن إدارة الطاقة بكفاءة أصبحت حجر الزاوية في الحفاظ على أمن الطاقة العالمي.

في ظل هذا الواقع، أعتقد أن من أهم السياسات التي يجب تبنيها عالميًا هي رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، سواء التقليدية كالفحم والنفط والغاز، أو المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح والمياه.

الكفاءة لا تعني فقط استخدام أقل كمية ممكنة من الطاقة، بل تعني تحقيق أكبر قدر من الإنتاج بأقل استهلاك ممكن، ما يسهم في تقليل الهدر وخفض الانبعاثات وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية.

كما أرى أن توسيع قاعدة البحث والتطوير في مجال حفظ الطاقة أصبح أولوية لا تقل أهمية عن الاستثمار في مصادر الطاقة نفسها. الأبحاث الموجهة لإيجاد حلول فاعلة واقتصادية وقابلة للتطبيق – مثل تخزين الطاقة، إدارة الأحمال، تحسين العزل الحراري، وتطوير تقنيات الشبكات الذكية – قادرة على إحداث تغيير نوعي في مستقبل الطاقة العالمي.

كل ما سبق يصب في هدف رئيسي واحد، وهو الحفاظ على التوازن بين مصادر الطاقة المختلفة وبين الحاجة المتزايدة لها على المدى المنظور، وتفادي الوصول إلى نقطة حرجة قد نواجه فيها كابوس شح الطاقة العالمي. في رأيي، الحلول متوافرة، لكن الإرادة لتطبيقها بشكل منسق وفعال هي التحدي الأكبر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي