هدوء تجاري ليس نهائي

هدأت ساحة المواجهة التجارية الأمريكية الصينية. وبرغم الاتفاق الأخير بين أكبر اقتصادين في العالم، لا تزال أجواء القلق حاضرة، وعدم وضوح الرؤية سائدة. فلا يمكن أن تحل كل الخلافات بين الطرفين بمجرد توقيع اتفاق مرحلي، لسبب واحد فقط، هو أن هذه الخلافات تعود لعقود خلت، وتعاملت معها كل الإدارات الأمريكية السابقة، بحزم فعلاً، ولكن بأكثر دبلوماسية وتروي، ما هو الحال الراهن مع إدارة دونالد ترمب.

هذا الأخير اتبع سياسة الهجوم التجاري (المتقلب في كثير من الأحيان) على الجميع، بمن فيهم حلفاء بلاده الأقرب. الهدوء الذي جلبه الاتفاق الأخير، كان ضرورياً، ليس لطرفيه فقط، بل لبقية الاقتصادات الأخرى حول العالم أيضاً، التي ترتبط بصور مختلفة مع الحراك التجاري الأمريكي والصيني، وتتأثر به بشكل أو بآخر.

الحديث عن الرابح من الاتفاق المرحلي المشار إليه لا يزال مبكراً، ولكن للوهلة الأولى، حققت بكين مكاسب أكبر من واشنطن. لكن هذا لا يعني، أن الحراك الأمريكي سيتوقف عند هذا الحد. فخطة ترمب واضحة، وتستند إلى مفهومه شخصياً، بأن بلاده تتعرض منذ عقود للـ "الظلم" التجاري، وآن الأوان لرفعه بصرف النظر عن الآليات التي تكفل ذلك، حتى لو أدت لحرب تجارية واسعة. ستخفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية المتبادلة من 125% إلى 10% على السلع الصينية، لمدة 90 يوماً.

التزمت بكين برسوم بقية 10% على السلع الأمريكية، ورفع الحظر عن طائرات "بوينج"، لكنها لم تلتزم رسمياً بتخفيف القيود على تصدير المعادن النادرة. والنقطة الأخيرة تعد محورية جداً بالنسبة لإدارة ترمب.

المفاوضات التجارية ستتواصل بين الصين والولايات المتحدة، في الوقت الذي زادت فيه التوترات بين الجانب الأمريكي والجارة كندا التي تعد ثاني أكبر شريك تجاري لواشنطن. فبالنسبة لترمب، لا ضرر من خفض قيمة العلاقات بين بلاده والحلفاء التقليدين لها، المهم الآن تسوية علاقاته الاقتصادية بشكل عام مع بكين، وهو قادر على ذلك، لأنه لا يولي أهمية تذكر للخلافات الأخرى غير التجارية مع الصين، ولا سيما تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان وحتى ملف تايوان، الذي يشكل العائق الدائم أمام علاقات طبيعية بين البلدين.

والمفاوضات التكميلية، ستدخل في صلب التفاصيل التجارية، إلى جانب نقاط خلافية تشكل أهمية للإدارة الأمريكية، وهي تلك التي تتعلق بالتكنولوجيا والأمن السيبراني. هذه نقاط لا تقل مكانة عن غيرها، وإن كان البيت الأبيض يسعى إلى تفاهمات تجارية قبل كل شيء.

ليس هناك منتصر نهائي في اتفاق واشنطن وبكين الأخير، وهذا "المنتصر" لن يظهر قبل استكمال كل الجولات التفاوضية، التي قد تشهد انتكاسات إذا ما سعى الجانبان إلى اكتساب على هذا التوصيف، الذي لا ينسجم مع العلاقات التجارية الطبيعية في أي مكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي