جفاف الطروحات يدفع بورصات أوروبا للتنافس على الإدراجات الكبرى

جفاف الطروحات يدفع بورصات أوروبا للتنافس على الإدراجات الكبرى

تراجع عدد الشركات الكبرى التي تختار الإدراج في الأسواق الأوروبية، ما عزز المنافسة بين بورصات المنطقة للفوز بأكبر عمليات الطرح العام الأولي.

تنافست كل من ستوكهولم وأمستردام وزيورخ ولندن أخيرا على استضافة الطرح العام الأولي لشركة "فيريشور" (Verisure) المملوكة أغلبيتها لـ"هلمان آند فريدمان" (Hellman & Friedman)، وفازت البورصة السويدية بالطرح نظراً لتاريخ شركة الأمن، التي تُقدّر قيمتها بـ20 مليار يورو (22.8 مليار دولار)، في البلاد، وقوة مجتمع المستثمرين المحلي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.


صراع أوروبي مبكر على طرح جديد 


بدأت المنافسة بالفعل على الطرح العام الأولي الكبير المقبل. وقال الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لخصوصية المعلومات، إن أمستردام ولندن تعدان من بين المتنافسات على استضافة الطرح العام الأولي لعملاقة البرمجيات "فيسما" (Visma)، والمرتقب أوائل العام المقبل.

وتستغرق أوروبا – نظراً لأسواقها المالية المجزأة والأسهم المتداولة بأسعار منخفضة نسبياً – وقتاً أطول للتعافي من جفاف دام سنوات في الطروحات العامة مقارنةً بمناطق أخرى. ووفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ"، شكّلت أوروبا حتى الآن العام الجاري ما نسبته 8% فقط من الإصدارات العالمية، مقارنةً بمتوسط سنوي نسبته 16% خلال العقد الماضي. وشهدت القارة عدداً قليلاً نسبياً من الطروحات الكبيرة خلال السنوات الماضية، حيث جمع أكبر طرح في عام 2025 حتى الآن أقل بقليل من مليار دولار في بورصة ستوكهولم.

أدّت أحجام التداول الضعيفة، إلى جانب سلسلة من الشركات المحلية الرائدة التي اختارت الإدراج في الولايات المتحدة، إلى رفع سقف التحديات أمام البورصات الإقليمية التي باتت مضطرة إلى النظر خارج أسواقها المحلية بحثاً عن طروحات جديدة، في مسعى لتعويض التدفقات الخارجة وإنعاش نشاط أسواق رأس المال.


منافسة بين بورصات أوروبا


قال ماتيو كارون، رئيس الأسواق الأولية في شركة "يورونكست" (Euronext NV) – التي تدير بورصة أمستردام وعدداً من المنصات الأخرى في أوروبا – إن "السنوات القليلة الماضية كانت صعبة على أسواق الأسهم، وعندما ينخفض النشاط، تزداد المنافسة على الشركات المستعدة للإدراج". وأضاف أن الشركة شكّلت العام الماضي فريقاً دولياً للطروحات في لندن، مُكلّفاً بجذب المُصدِرين من خارج أسواقها المحلية.

تُدر الطروحات العامة الجديدة رسوماً، فيما تجتذب أكثر عمليات الطرح جاذبية المستثمرين الدوليين إلى البورصة، ما يُحسن السيولة ويساعد على جذب مزيد من الإدراجات. وقد تنتقل فرق الإدارة أو المقرات الرئيسية أيضاً، ما يُفيد الاقتصاد الأوسع، ما يجعل اختيار موقع الإدراج مسألة سياسية في كثير من الأحيان. وفي هذا السياق، تُكثّف البورصات في مختلف أنحاء أوروبا جهودها لاستقطاب الطروحات العامة الأولية.

تبنى آدم كوستيال، رئيس "ناسداك ستوكهولم" (Nasdaq Stockholm) نفس وجهة النظر قائلاً: "المنافسة بين البورصات ازدادت بلا شك... في ما يخصّ الشركات الكبرى، لدينا تحديات نعمل على معالجتها، لكننا بالتأكيد لا نقف موقف المتفرج". 


ستوكهولم تتصدر النشاط


كانت المنطقة الإسكندنافية من الرابحين نسبياً خلال الأشهر الماضية، حيث تصدّرت ستوكهولم العواصم الأوروبية من حيث النشاط العام الحالي، مع تجاوز قيمة الطروحات العامة فيها 1.6 مليار دولار.

لجأت بعض الشركات الأوروبية إلى الولايات المتحدة بحثاً عن سيولة أفضل وتقييمات أعلى. فمثلاً، طرحت شركة "آرم هولدينغز" (Arm Holdings Plc) البريطانية أسهمها للاكتتاب العام في نيويورك قبل عامين في صفقة تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار، في حين تقدّمت عملاقة "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" السويدية "كلارنا غروب" (Klarna Group Plc) بطلب إدراج محتمل في الولايات المتحدة.

وهذا يعني أن على البورصات الأوروبية أن تبذل جهداً مضاعفاً لاقتناص كل فرصة.

أضاف كارون من "يورونكست": "نحن نبادر بالتواصل مع الشركات أو مساهميها، مثل صناديق الأسهم الخاصة ورأس المال الجريء، وأحياناً ندعى لتقديم عرض بشأن الإدراج".


ضربة قوية لبورصة لندن 


وتعرّضت بورصة لندن لضربة قوية بشكل خاص نتيجة موجة من الاستحواذات وعدد من التحوّلات البارزة إلى بورصات أخرى. وأخيرا، أعلنت شركة "وايز" (Wise Plc) عن خططها لنقل إدراجها الأساسي إلى نيويورك.

قال تشارلي ووكر، نائب الرئيس التنفيذي لبورصة لندن، في ردود عبر البريد الإلكتروني، إن البورصة "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في اهتمام الشركات الدولية بالإدراج في لندن"، دون الإدلاء بمزيد من التصريحات. وكان ووكر قد دعا الحكومة البريطانية، في مقابلة مع "بي بي سي" الأسبوع الماضي، إلى تشجيع الاستثمار المحلي من أجل تحسين السيولة في الأسواق العامة.

قال متحدث باسم شركة "إس آي إكس غروب" (SIX Group AG)، المشغّلة لبورصة زيورخ، إن الشركة تتوقع استقبال "مجموعة جيدة من المُصدِرين من عدة قطاعات ومناطق".

قد يكون الطرح العام الأولي لشركة "فيريشور" بين الأكبر في المنطقة منذ سنوات. وكانت "بلومبرغ" قد أفادت في وقت سابق بأن الشركة قد تسعى إلى تقييم يتجاوز 20 مليار يورو (22.8 مليار دولار) شاملاً الديون. وقد جذبت "فيريشور" اهتمام عدة بورصات نظراً لحجمها وانتشارها الأوروبي الواسع.

كانت الشركة تُعرف سابقاً باسم "سيكيوريتاس دايركت" (Securitas Direct)، وتداولت أسهمها في بورصة ستوكهولم قبل أن تستحوذ عليها شركة أسهم خاصة. ويقع المقر الرئيسي للشركة، التي تشتهر بأنظمتها للإنذار، في سويسرا حالياً، بينما يعمل معظم موظفيها في إسبانيا.

وقال الأشخاص المطلعون إن أمستردام كانت المنافس الأقرب للفوز بالطرح العام الأولي، فيما طُرحت لندن وزيورخ كخيارين محتملين، إلا أنه جرى استبعادهما في المراحل المبكرة من العملية. رفضت مالكة "فيريشور"، شركة "هلمان آند فريدمان" (H&F)، التعليق.


إصلاحات أوروبية لجذب طروحات الأسهم


تعد "فيسما" أيضاً من الطروحات القيّمة بالنسبة إلى بورصات أوروبا. وكانت الشركة النرويجية، المدعومة من "إتش جي كابيتال" (Hg Capital)، قد حُدّد آخر تقييم لها عند 19 مليار يورو خلال بيع حصة أواخر عام 2023. وحقّقت الشركة العام الماضي إيرادات بقيمة 2.8 مليار يورو من خلال تقديم حلول برمجية للشركات، بما في ذلك الفوترة والموارد البشرية. رفضت "إتش جي" التعليق.

وقد نفذت البورصات الأوروبية والحكومات عدداً من الإصلاحات بهدف جذب الشركات إلى أسواق رأس المال لديها. وتسمح مجموعة بورصة لندن (London Stock Exchange Group Plc) الآن للأسهم غير المتداولة بالجنيه الإسترليني بالدخول إلى مؤشرات "فوتسي"، في حين أدخلت "يورونكست" نشرة إصدار موحدة في إطار جهود الاتحاد الأوروبي لدمج أسواق رأس المال.

سهلّت "ناسداك" على الشركات المدرجة في بورصتها الأمريكية الرئيسية إمكانية الإدراج أيضاً في ستوكهولم. أما بورصة إسبانيا، التابعة لـ"إس أي إكس" (SIX)، فستسمح للشركات بالإدراج أولاً، ثم اختيار التوقيت المناسب لبيع أسهمها، ما يُمكّنها من تفادي اضطرابات السوق.

قال مارتن شتاينباخ، مسؤول الطروحات العامة في شركة الاستشارات "إرنست آند يونغ" (EY) لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط والهند وإفريقيا: "من المهم أن تنجح البورصات الأوروبية في جذب الإدراجات الدولية، إذ يواجه عديد منها انكماشاً".

الأكثر قراءة