كيف حلت أزمة اليأس لدى الشباب العاملين محل "أزمة منتصف العمر" ؟

كيف حلت أزمة اليأس لدى الشباب العاملين محل "أزمة منتصف العمر" ؟

كيف حلت أزمة اليأس لدى الشباب العاملين محل "أزمة منتصف العمر" ؟
GETTY IMAGE

مصطلح "أزمة ربع العمر" ظهر مع جيل الألفية ليصف المرحلة التي يعاني فيها الشباب من القلق وعدم اليقين والتردد في قرارات حياتهم أثناء الانتقال إلى مرحلة النضج. وقدمت الكاتبتان ألكسندرا روبينز وآبي ويلنر هذا المفهوم إلى الرأي العام عام 2001 عبر كتابهما Quarterlife Crisis: The Unique Challenges of Life in Your Twenties. حينها أثار المفهوم ردود فعل متباينة، بين شكوك الإعلامية كاتي كورك وتعاطف الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري.

جيل زد يواجه هذه الأزمة بوضوح، مع معاناته من الإرهاق ونظرة متشككة تجاه مساراته المهنية، خصوصًا لمن دخل سوق العمل في عصر الاستقالات الصامتة. دراسة حديثة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية وجدت أن الشباب يعانون مستويات أعلى من اليأس مقارنة بمن هم في منتصف العمر أو أكبر، معكوسة النمط التاريخي الذي كان يشير إلى ذروة اليأس في منتصف العمر.

الباحثان ديفيد بلانشفلاور وأليكس برايسون أكدا أن أزمة ربع العمر حقيقية، خصوصًا بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و25 عامًا، وخصوصًا بين الفتيات. ما يميز هذه الدراسة هو أنها الأولى التي تربط مباشرة شعور الشباب باليأس بظروف سوق العمل. بلانشفلاور أشار في مقابلة مع فورتشن إلى أن الشباب اليوم أسوأ حالًا مقارنة بالعمال الأكبر سنا.

كما أشار الباحثان إلى أن العزلة الاجتماعية تتفاقم، مستشهدين بعمل جوناثان هايدت الذي ربط بين إدمان الهواتف الذكية والاكتئاب بين الشباب، ولاحظ بلانشفلاور، اعتمادا على أبحاث روبرت بوتنام، أن الأمريكيين أصبحوا أقل مشاركة اجتماعيا، مع تراجع أنشطة مثل الرياضة والسباحة. و

نمط اليأس الجديد

تاريخيا، كان مستوى اليأس النفسي في الولايات المتحدة الذي يتضمن أعراض الاكتئاب والحزن المستمر وفقدان الأمل والضيق النفسي العام يتبع نمطا على شكل "حدبة": يزداد خلال مرحلة الشباب المبكرة، ويبلغ ذروته في منتصف العمر، ثم ينخفض مع تقدم السن. لكن بحث بلانشفلاور وبرايسون بعنوان "يأس العمال الشباب المتزايد في الولايات المتحدة"، وجد أن هذا النمط تغير جذريا منذ التسعينيات. بحسب بلانشفلاور في مقابلة مع فورتشن: "الآن المنحنى يميل إلى الانخفاض، أي أن اليأس يتراجع مع العمر."

وأضاف البحث أن الذروة التقليدية لليأس في منتصف العمر لا تزال موجودة فقط بين غير العاملين أو العاجزين عن العمل، بينما تبقى مستقرة بين ربات البيوت والطلاب والمتقاعدين، ما يشير إلى أن الأزمة الحالية مركزة بين الشباب العاملين وليست عامة بين جميع الفئات العمرية.

على الرغم من أن الورقة البحثية تركز على تحديد حجم الظاهرة وليس أسبابها الدقيقة، إلا أنها تشير إلى عوامل اجتماعية واقتصادية أوسع قد تساهم في تصاعد الأزمة: زيادة عدم الأمان الوظيفي، تراجع سيطرة واستقلالية العمال، التغير التكنولوجي السريع، المراقبة الرقمية المكثفة في أماكن العمل، الركود النسبي في الأجور مقارنة بتكاليف المعيشة، وضعف القوة التفاوضية للجماعات العمالية. كما أن تراجع التوقعات التقليدية حول التوظيف المستقر وازدياد ظروف "اقتصاد العمل المؤقت" تجعل الشباب أكثر عرضة للشعور باليأس.

بحسب بلانشفلاور وبرايسون، يمكن أن تترك البطالة ندوبا دائمة، خصوصا بعد الركود الاقتصادي، وهي ظاهرة وصفها بلانشارد و سامرز سابقاً بـ"الندوب الاقتصادية". كما أضاف برايسون اهتمامه بـ"الآثار النفسية الطويلة" التي قد تنتج عن الولادة في فترة ركود اقتصادي، أو لأبوين ولدا خلال الركود.

تشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن معدل البطالة بين الشباب دائما أعلى، والأكثر إثارة للقلق، منذ 2022، أن معدل البطالة بين الخريجين الجدد تجاوز المتوسط العام. د

أشار جيم لينك، مسؤول عن الموارد البشرية في جمعية إدارة الموارد البشرية، في مقابلة مع فورتشن إلى أن 67% من العمال أبلغوا عن تدهور رفاهيتهم مقارنة بما قبل الجائحة، باستثناء 2021 الذي شهد تحسنا مؤقتا بسبب "فرحة اللقاح"، مع تدهور أكبر بين الشباب.

تحول منحنى الكآبة إلى منحنى مقلوب

وصف بلانشفلور كيف أنه رغم دراسته لهذا الموضوع لسنوات، لم يلاحظ سابقًا هذا النمط الممتد منذ التسعينيات بسبب تفرق البيانات، واعتقد في البداية أنه مرتبط بالجائحة. لكن بعد قراءة مقابلة مع جين توينغ، عاد لتحليل البيانات وقال: "يا إلهي... واضح أن الأمر بدأ قبل 2020، وجائحة كوفيد زادت الأمر سوءا، لكن الناس لم يدركوا ذلك".

أدى هذا إلى ورقة بحثية في 2024 مع برايسون وشياووي شو، حيث قارنت لأول مرة شكل "الحدبة" التقليدي لأزمة منتصف العمر مع ارتفاع الكآبة بين الشباب بعد 2019. الشكل لم يعد حدبة، بل أصبح أقرب لمُنحنى مقلوب، حيث القمة على اليسار وتنحدر إلى اليمين.

أشار برايسون لمجلة فورتشن إلى أن الاقتصاديين يقيمون جودة العمل من المكاسب المالية، بينما يركز علماء النفس والسلوكيون على "قيمة العمل"، أي أهميته في تحقيق الذات. وأضاف أن تراجع جودة الوظائف للشباب قد يؤثر على رفاههم، رغم أن ذلك فرضية تحتاج مزيدا من البحث.

ومن اللافت أن تراجع الصحة العقلية للشباب لا يعود لانخفاض الأجور، إذ نسبة أجور الشباب مقارنة بالكبار ارتفعت، والأجور الحقيقية صعدت أيضًا، لكن تكاليف المعيشة، الرهن العقاري، الرعاية الصحية، والديون الطلابية زادت، إضافة لتفاقم العزلة الاجتماعية والسمنة وارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب منذ منتصف العقد 2010.

قال بلانشفلور لفورتشن إن استبعاد الانزعاج من الأجور أو البطالة يقود إلى استنتاج أن الشباب يقولون فعليًا: "هذا العمل سيء". وتبعًا لدراسة المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، يرسل هذا تحذيرًا قويًا وهو أن تحول الكآبة من منتصف العمر إلى الشباب يمثل أزمة صحية واقتصادية تحتاج إلى التدخل.

الأكثر قراءة