تجارة باتجاه واحد .. كيف تلعب الصين في السوق العالمية؟
بعد توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق لإنهاء أحدث مناوشاتهما التجارية، صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنّه سيتعاون مع الرئيس الصيني شي جين بينج لفتح السوق الصينية أمام التجارة الأمريكية.
سياسات شي التي تهدف إلى تقوية الاقتصاد الصيني الحصين تصعب التوصل إلى اتفاق تجاري طويل الأمد مع الولايات المتحدة، خاصةً صفقة مبنية على زيادة مشتريات الصين من السلع الأمريكية. كما أن هذه السياسات تغذي التوتر مع دول أخرى تشعر بأن التبادل التجاري مع القوة الآسيوية الصاعدة أصبح في اتجاه واحد فقط.
قال براد سيتسر، الخبير في مجلس العلاقات الخارجية: "رؤية الصين للتجارة هي التصدير دون الاستيراد"، مضيفًا أن "الصين ليست سوقًا واقعية بديلة للولايات المتحدة في استيعاب السلع العالمية".
الطلب الصيني على السيارات والكيماويات والسلع الأساسية في تراجع أو جمود، رغم تسجيل الاقتصاد الصيني نموًا سنويًا متواضعًا يبلغ نحو 5%. بحسب بيانات معهد التحليل الاقتصادي الهولندي، لم تنمُ الواردات الصينية من حيث الحجم منذ نهاية 2022، في حين قفزت صادراتها 33%.
الخلل التجاري هذا يعود إلى السياسات التي وجهت الاستثمارات نحو المصانع، في مقابل إهمال تحفيز الاستهلاك المحلي، كما أن انتهاء طفرة العقارات أسهم في تقليص الطلب الصيني على السلع الأولية. فحتى علامات تجارية كبيرة غربية مثل "سواتش" و"بورشه" تعاني انخفاض المبيعات في الصين بسبب إحجام المستهلكين عن الإنفاق.
تهدف السياسات على المدى الطويل إلى جعل الصين مكتفية ذاتيًا في التكنولوجيا الأساسية، مع هيمنتها على سلاسل الإمداد العالمية. وهذا الهدف قريب المنال في مجالات مثل السيارات الكهربائية والبطاريات والآلات الثقيلة والمعدات الطبية.
تسعى الشركات الصينية إلى استبدال الموردين الأجانب ببدائل محلية، وقد ازدادت وتيرة هذه السياسة نتيجة النزاع التجاري. فقد طُلب من الشركات المملوكة للدولة استبدال البرمجيات الأجنبية بحلول 2027.
من جانبها، لاحظت الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية تراجعًا في الطلب الصيني على منتجاتها، وسط منافسة شديدة من الشركات الصينية التي تخوض حرب أسعار داخل السوق الصينية.
لكن ضعف واردات الصين يصعب إبرام اتفاقيات تجارية قائمة على شراء مزيد من السلع الأمريكية. ففي 2020، وافقت الصين على شراء سلع وخدمات أمريكية بقيمة 500 مليار دولار خلال عامين، لكنها، كما أظهر تحليل أجراه معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، لم تتمكن من الوصول إلا إلى نحو 300 مليار دولار، بسبب جائحة كوفيد جزئيًا.
عادةً، عندما تصدّر الدول أكثر وتنمو اقتصاديًا، فإنها تستورد أكثر بسبب ارتفاع دخل الأفراد واحتياجات الصناعة، لكن الصين خرجت عن القاعدة: اقتصادها ينمو، صادراتها ترتفع، لكن وارداتها شبه متوقفة، حيث شهدت وارداتها نموًا 11% منذ 2022، في حين ارتفعت واردات أمريكا بـ36%.
رغم ذلك، لا تزال الصين مستوردًا كبيرًا، حيث استوردت في 2024 ما قيمته 2.6 تريليون دولار، مقابل 3.4 تريليون دولار استوردتها الولايات المتحدة. وتشمل واردات الصين الرئيسية أشباه الموصلات، والطاقة، والمواد الغذائية، ما يعود بالنفع على شركات أمريكية مثل عملاق الأغذية "كارجيل" و"شينير إنرجي" للطاقة.
ورغم هذا، حققت الصين فائضًا تجاريًا سلعيًا عالميًا قدره تريليون دولار في 2024، أي ضعف ما سجلته في 2020، نتيجة الطفرة في الصادرات.
لكن الطلب الصيني الضعيف يؤثر سلبًا في الدول التي كانت تعتمد على السوق الصينية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، حيث تراجعت واردات الصين منها منذ نهاية 2022 بنسبة 11%، و17%، و18% على التوالي.
حتى الدول النامية ومصدري المواد الخام مثل البرازيل وجنوب إفريقيا شهدت تراجعًا في صادراتها للصين، بسبب انهيار سوق العقارات الصينية.
تقول بكين إنها ستتخذ خطوات لتحفيز الاستهلاك المحلي، ما قد يرفع الطلب على الطاقة والسلع المستوردة، لكن الخبراء يرون أن سعي الدولة نحو الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الغرب سيحدّ من استفادة المصدرين العالميين.
كما يقول جورج ماجنوس الباحث المشارك في مركز الصين في جامعة أكسفورد: "ما تعرضه الصين هو في الأساس فرصة لشراء البضائع الصينية، وليس لبيع منتجاتك في سوقها المحلية".