حان الوقت للمستثمرين للمغامرة على المدى الطويل

الاستثمار، كما هي الحال في رياضة الجولف، هو مزيج من المغامرة على المديين القصير والطويل. في النصف الأول من 2025، ركز المستثمرون في الغالب على المغامرة على المدى القصير، لكن الآن، وبعد أن يبدو أننا ندخل فترة من الهدوء النسبي، يمكن للمستثمرين البدء في النظر إلى المستقبل بشكل أعمق.

بعد أشهر من الجدل الدائر حول الرسوم الجمركية بعد مشهد "الرسوم الجمركية المتبادلة" الذي أعلنه الرئيس دونالد ترمب في 2 أبريل، يبدو أن عديدا من الأسواق بدأت تستقر.

وشهدت الأسهم الأمريكية ارتفاعًا طفيفًا هذا الأسبوع، حيث تبع خبر عرقلة المحكمة لمعظم أجندة ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية إعلان سريع عن بقاء الرسوم الجمركية سارية خلال إجراءات الاستئناف.

من المرجح أن يكون الجانب الإيجابي لأي أخبار مستقبلية متعلقة بالرسوم الجمركية محدودًا، إذ يبدو أن انتعاش الأصول ذات المخاطر العالية قد استنفد مساره إلى حد كبير، حيث استعادت معظم الأسواق الأمريكية - باستثناء مؤشر الدولار - خسائرها التي تكبدتها بعد "يوم التحرير" بأكثر من المتوقع. وارتفع مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وناسداك بنحو 18% و25% على التوالي منذ 8 أبريل.

يبدو أن تركيز السوق في الولايات المتحدة يتحول الآن من الرسوم الجمركية إلى التخفيضات الضريبية، حيث يركز المستثمرون على تأثير اتساع عجز الموازنة في أسعار الفائدة الأمريكية وقوة الدولار.

خارج الولايات المتحدة، يبدو أن الاهتمام يتجه بعيدًا عن الحرب التجارية، حيث يركز عديد من المستثمرين على إمكانات النمو الأوروبي المدفوع بالإنفاق، وعودة التضخم الياباني، والانتعاش التدريجي للمستهلك الصيني.

لذا، دعونا نستغل فترة الاستراحة الحالية من اضطرابات السوق وننظر في كيفية تأثير هذه الاتجاهات طويلة الأجل في إستراتيجية الاستثمار على مدى السنوات الخمس المقبلة. هذا يعني تحرير عقولنا من روتين الحياة اليومية، واستخدام إستراتيجية الرواقية لتخيل كيف سيتغير العالم بين الآن وعام 2030.


صُنع في أمريكا 2030؟


دعونا أولاً نفكر في السيناريو الذي ستتحول فيه الولايات المتحدة كما يبدو أن ترمب يرغب. بناءً على السياسات التي انتهجتها الإدارة أو تبنتها، قد يعني ذلك إعادة بعض الصناعات إلى الولايات المتحدة، أو ربما حتى خفض العجز التجاري.

لكن من المرجح أيضاً أن يعني ذلك تعميق المشكلات المالية الأمريكية، وخلق مزيد من الانقسام بين حلفاء الولايات المتحدة، وتقويض سيادة القانون، وطرد المواهب البشرية، وتمزيق برامج الطاقة المتجددة في البلاد، وسد آبار البحث والابتكار.

تتراكم بالفعل التدابير المناهضة للابتكار. فوفقاً لـE2، تجاوز عدد مشاريع الطاقة النظيفة التي أُلغيت في الربع الأول من 2025 ثلاثة أضعاف المتوسط ​​الشهري في العامين السابقين. في غضون ذلك، سعت الإدارة إلى سحب التمويل من كبرى جامعات الأبحاث الأمريكية، وهي الآن تلغي مواعيد تأشيرات الطلاب الأجانب.

تمحورت سنوات ما بعد الجائحة حول تقدم الولايات المتحدة، حيث اجتذبت زيادة الإنفاق المالي والابتكار التكنولوجي والنمو السكاني رؤوس أموال خارجية وعززت النمو الاقتصادي وأرباح الشركات ومضاعفات الأسهم وقيمة الدولار.

ونظرًا لأجندة إدارة ترمب، فمن المرجح أن تكون السنوات الخمس المقبلة مختلفة جذريًا. ففي الأشهر القليلة الماضية فقط، تقلصت ميزة النمو الأمريكية مقارنةً بأوروبا، وانخفض نمو أرباح السهم الواحد بين الشركات الأمريكية، وتآكلت الميزة التكنولوجية الأمريكية بسبب إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek، واستمرت تدفقات رأس المال إلى الخارج.


تغيير النظام


عندما تتخلف أمريكا، يجب أن يتولى الآخرون زمام المبادرة. وكما كتبتُ سابقًا، هناك عديد من الأسباب التي تدعو للاعتقاد أن أوروبا وآسيا يمكنهما استخدام وصفة ما بعد الجائحة الأمريكية للتقدم في السنوات المقبلة. لا شك أن لدى أوروبا فرصةً لتولي زمام القيادة، مستفيدةً من حيّزها المالي وقوة عملتها لتعميق التكامل الإقليمي. ويمكنها استخدام قوتها الناعمة واحترامها لسيادة القانون لإظهار قوتها الصارمة. ومن خلال بناء مزيد من التحالفات، وتوسيع أسواق رأس المال، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، يمكنها تطوير قدراتها الدفاعية الداخلية، والحلول محل الولايات المتحدة كموطن لأكثر الأصول أمانًا في العالم.

وكما أشارت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد أخيرا، بات من الممكن الآن أن يحل اليورو محل الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يستمر التكامل الآسيوي، حيث أصبحت منطقة جنوب شرق آسيا الآن أكبر شريك تجاري للصين. وقد نجحت بكين في استخدام السياسة الصناعية لتصبح الرائدة عالميًا في مجال الطاقة المتجددة، وهي المهارات التي تُوظّفها الآن في التصنيع المتقدم. والأهم من ذلك، يبدو أن الصين تُدرك الروابط بين الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وهي حلقة وصل رئيسية في سباق التكنولوجيا الجديد. من المرجح ألا ترغب اليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى في الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي