إنذارات سوق السندات
اقتراض الحكومات عادة عن طريق سوق السندات لأن السندات أطول أجل من قروض المصارف التجارية. تقليديا المصارف المركزية تتحكم في الفائدة قصيرة الأجل بينما السوق تتحكم في الفائدة طويلة الأجل (بالتالي سوق السندات)، ولكن عمليا يصعب فصلهما لأن منحنى الفائدة في حراك دائم يتأثر ويؤثر بسياسات البنوك المركزية وعوامل أخرى كثيرة.
تسعير السندات السعودية في الدائرة العالمية نفسها لأنه مرتبط بتسعير السندات الأمريكية وسياسة البنك الفيدرالي- البنك المركزي الأمريكي. حدثت تطورات عدة مثيرة في أسواق السندات العالمية في الأسبوع الماضي.
الأول، تعثر وزارة الخزانة الأمريكية في مزاد سندات أجلها 20 عاما في مايو 2025 حيث الإقبال كان أقل من المتوقع ما خفض السعر (ارتفاع الفائدة)، إذ طالب المستثمرون بعائد يصل 5.104% أعلى من المتوقع عند 5.032% بسبب ما يعتقد المستثمرون بأن مخاطر الإقراض للحكومة الأمريكية ارتفعت.
جاء ذلك على أثر تخفيض وكالة مودي لتصنيف أمريكا، أيضا بسبب قلة الإقبال على سندات العشرين سنه مقارنة بسندات العشر والثلاثين سنة، يقاس الإقبال عادة بحجم المشاركة نسبة إلى حجم الإصدار. استمرت الفائدة في الارتفاع لاحقا لتصل إلى 5.121% كأعلى مستوى من استلام ترمب للسلطة.
لم تكن هذه الهزة الأولى في سوق السندات أو الدولار حيث سبقتها هزة حين أعلنت الإدارة الجديدة التعرفة الجمركية أول مرة لأن الحجم لم يكن متوقعا ما أثار ذعرا في الأسواق المالية عامة ومنها سوق السندات.
ثانيا، سبقت الحالة الأمريكية بيوم حالة أخرى في اليابان وأيضا لسندات العشرين سنة. فلم يكن هناك إقبال على مزاد قيمته ترليون ين (نحو 8.9 دولار)، إذ لم يصل الإقبال لهذا المستوى من 2012. تراجع الأقبال خفض السعر في الأسواق ليرفع الفائدة إلى 2.55% كأعلى مستوى منذ عام 2000. وصل التأثير على كل منحنى الفائدة الياباني.
الأسباب كثيرة منها الحذر من سياسة البنك المركزي في تبطؤ مشترياته من السندات وبالتالي الاستمرار في سياسة نقدية سهلة. كذلك هناك أسباب فنية منها تراجع شركات التأمين بسبب أن العائد لم يرتفع بما فيه الكفاية قياسا على متطلباتهم، أيضا تناقص طلب الأجانب الضعيف أصلا حيث حصة الأجانب من سوق السندات دائما أقل بكثير من السوق الأمريكية والبريطانية.
أخيرا هناك خوف مبرر من تزايد العجز الحكومي خاصة أن الانتخابات قريبة ما قد يرفع شهية الحكومة لرفع الإنفاق في محاولة استرضاء بعض الناخبين.
ثالثا، في موجة المصارف السعودية لإصدار صكوك لفت نظري إصدار بنك البلاد لإصدار صكوك دولارية بنسبة تصل 6.8% كأعلى نسبة على ما أعرف عن الإصدارات الأخيرة.
أيضا أصدرت أغلب المصارف أكثر من إصدار على مدى أقل من عامين للتمكين من التوسع في الإقراض نظرا لحاجة السوق السعودية والاقتصاد السعودي للتوسع حيث المشاريع وخاصة الإنشائية ضخمه ومتعددة، والعلاقة المتغيرة بين محفظة القروض والودائع. الارتفاع قد يكون بسبب بنك البلاد صغير قياسا على حجم وملاءة المصارف السعودية الأخرى ولكنه دليل على توجهات السوق المالية داخليا وخارجيا.
في هذه العجالة حاولت اختصار أزمة أسواق السندات من خلال 3 أمثلة مختلفة في المراحل والحالة الاقتصادية والنموذج التنموي والسعة والملاءة المالية والمصادر الائتمانية. كل هذه في جانب وما يتحدث عنه Ray Dalio الخبير والمؤرخ الأمريكي للأزمات المالية في جانب آخر. فلم تعد تحذيراته لصناع السياسة الأمريكية خفية على أحد.