كيف تدعم العلاقات بين أمريكا والسعودية خطط التنويع الاقتصادي؟

تمر العلاقات الاقتصادية بين أمريكا والسعودية بمرحلة من التطور الاستثنائي مدعومة بقوة المؤشرات التجارية والاستثمارية بين البلدين. وفي ظل خطط التنويع الاقتصادي الهادفة إلى رفع القيمة المضافة للقطاعات غير النفطية، فإن السعودية تهدف إلى تعزيز التعاون مع الفاعلين في الاقتصاد الأمريكي لتطوير الصناعات المهمة، من التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي إلى التعدين والمعادن النادرة، وصولا إلى التصنيع والطاقة المتجددة.

الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا والسعودية تترجم في صورة استثمارات مباشرة في السوق السعودية. فوفقًا لبيانات وزارة الاستثمار فقد وصل إجمالي الاستثمار الأجنبي من الشركات الأمريكية في السعودية بحلول 2023 إلى 57.7 مليار ريال، محتلة بذلك المرتبة السادسة كأكبر المستثمرين في السعودية.

وفي ظل العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين، إضافة إلى التوترات بين الولايات المتحدة وأهم الشركاء التجاريين مثل الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وظهور تلك التوترات على تدفقات الاستثمار من الشركات الأمريكية. فإن السعودية مهيئة لتكون بديلا لتلك الأسواق، حيث تملك أنواع المقومات مثل البنية التحتية والموقع المتميز بجانب المزايا التنافسية كانخفاض تكاليف الإنتاج. ويقترح أن يتم التركيز على نوعية الاستثمارات لتشمل الصناعات المهمة مثل السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة.

وتهدف السعودية إلى التحول إلى مركز للتكنولوجيا في المنطقة وبخاصة في التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. وذلك عبر تعزيز الاستثمار في البنية التحتية الحيوية للقطاع مثل مراكز البيانات، إضافة إلى بناء الشراكات مع أهم الشركات العالمية للإسهام في تطوير التقنيات المحلية وتدريب الكوادر البشرية.

وفي ظل امتلاك الولايات المتحدة لقطاع التكنولوجيا الأقوى والأكثر تقدما في العالم، فإنها الشريك الأمثل للقيام بتلك المهمة. وخلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية تبلورت خطط التعاون والشراكات مع عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة. حيث أعلنت شركة "إنفيديا" عن شراكة مع شركة "هيوماين" السعودية لبناء مركز بيانات ضخم بقدرة تشغيلية تصل إلى 500 ميجاوات بالاعتماد على رقائق "GB200" المتقدمة. بجانب التعاون مع شركات مثل "AMD" وجوجل لتطوير البنية التحتية التكنولوجية للسعودية كمراكز البيانات والخدمات السحابية.

يمثل قطاع التعدين واحدا من أهم محاور التنويع الاقتصادي للسعودية، وقد قدرت وزارة الصناعة والثروة المعدنية حجم الثروات المعدنية فيها بنحو 9.4 تريليون ريال، وتشمل المعادن المختلفة ومنها العناصر الأرضية النادرة. وفي ظل الرغبة العالمية لتنويع سلاسل الإمداد والتوريد وخاصة في المعادن النادرة المهمة للقطاعات الحديثة مثل البطاريات والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.

فإن السعودية تملك فرصة مهمة للاستحواذ على حصة من السوق العالمية والدخول كعنصر فاعل في سلاسل القيمة لقطاع التعدين. وذلك عبر جذب الاستثمارات الأجنبية من الشركات الأمريكية وتعزيز عملية البحث والتطوير في القطاع بالتعاون معها.

تسعى السعودية إلى التحول إلى مركز مالي رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، عبر رفع كفاءة وقدرة أسواق المال المحلية وتشجيع الشركات سواء الحكومية أو الخاصة على الاكتتاب، بجانب تطوير أسواق الدين المحلية. تلك التطورات في السوق المالية استطاعت جذب عمالقة الخدمات المالية وإدارة الثروات في أمريكا لاتخاذ السوق السعودية كمركز لإدارة أعمالهم في المنطقة. يسهم تدفق تلك الشركات للسعودية في تطوير السوق المالية، وجذب الاستثمارات الأجنبيةلها عبر أسواق الأسهم. إضافة إلى زيادة جاذبية السوق للاكتتابات الخارجية وعدم الاقتصار على الشركات المحلية فقط.

الشراكة مع الولايات المتحدة يقترح أن تمتد إلى قطاع التعليم. حيث تهدف السعودية إلى رفع جودة مخرجات التعليم بما ينعكس على مهارات المواهب المحلية وملائمة متطلبات سوق العمل. لذلك فإن عقد الشراكات مع أهم المؤسسات التعليمية في أمريكا مثل الجامعات ومراكز البحث تشكل أهمية لتطوير الكفاءات المحلية ودعم الابتكار.

ختاما تهدف السعودية إلى الاستفادة من العلاقات القوية مع الولايات المتحدة لتطوير القطاعات المحلية والاستفادة من تدفقات الاستثمار والخبرات في شتى المجالات لتسريع خطط التنويع الاقتصادي وتحويل السعودية إلى مركز رئيسي للتكنولوجيا والمال والأعمال في المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي