روزفلت وعبدالعزيز .. 5 ساعات في البحيرات رسمت شراكة الرياض وواشنطن لعقود

روزفلت وعبدالعزيز .. 5 ساعات في البحيرات رسمت شراكة الرياض وواشنطن لعقود
روزفلت وعبدالعزيز .. 5 ساعات في البحيرات رسمت شراكة الرياض وواشنطن لعقود

قبل العاشرة صباحا بدقائق قليلة اختلى فرانكلين روزفلت بنفسه في أحد أرجاء بارجة "يو إس إس كوينسي" ليدخن قبل حظر التدخين الذي سيفرض لدى وصول ضيفه الكبير، وما هي إلا ثوان حتى حضر الملك عبدالعزيز برفقته 48 رجلا سرعان ما التقوا بنظرائهم، ليعقد الزعيمين اجتماعا اقتصر عليهما لمدة 5 ساعات اتفقا فيه على ملفات كثيرة ظهر أثرها الإيجابي لاحقا، والأهم أن هذا اللقاء الذي عرف بـ"اتفاق كوينسي" في 14 فبراير 1945 بالبحيرات المرة قرب قناة السويس التي احتضنت نواة شراكة إستراتيجية ممتدة لنحو 80 عاما.

تعود العلاقات السعودية الأمريكية إلى عام 1931 حين بدأت رحلة استكشاف وإنتاج النفط في السعودية ومنح الملك المؤسس آنذاك حق التنقيب عن النفط لشركة أمريكية تبعها اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933 لدعم الجانب الاقتصادي، لكن صعود نجم الملك عبدالعزيز السياسي ودوره القيادي في تأمين منطقة الخليج وحل المشكلات الإقليمية أدى إلى تعاون أكبر تمثل في اتفاق "كوينسي" الذي نص على الشراكة الاقتصادية والسياسية والأمنية بما يحقق مصالح البلدين.

على مدى نحو 8 عقود أثبتت الشراكة بين الحليفين قوتها فشملت مختلف الجوانب بداية من الاقتصاد والرياضة ووصولا إلى القضايا السياسية الإقليمية والعالمية، كما مرت العلاقة بين البلدين بمحطات مهمة عدة أبرزها توقيع اتفاقية الدفاع المتبادل عام 1953، وإنشاء اللجنة الاقتصادية الأمريكية السعودية المشتركة 1974، كذلك تأسيس مجلس الأعمال السعودي الأمريكي 1993، وتدشين الحوار الإستراتيجي السعودي الأمريكي في 2005، ناهيك عن اللقاءات التي لم تتوقف بين قادة البلدين لتنسيق الجهود بينهما في القضايا المختلفة.

إذا كانت تلك هي ثمار جهود الملك المؤسس، فإن جهود الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أسفرت عن قفزة تاريخية في العلاقات بدأت عام 2015 بلقاء بين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض، وتعززت أكثر بزيارة الرئيس دونالد ترمب للسعودية في 2017 وكانت أول رحلة خارجية قام بها في فترة رئاسته الأولى في دلالة واضحة على مكانة السعودية الإقليمية والعالمية، ونتج عن تلك الزيارة انطلاق المنتدى السعودي الأمريكي الأول للرؤساء التنفيذيين بحضور 100 رئيس تنفيذي وصانع قرار مؤثر من البلدين.

زيارة ترمب الأولى تزامنت أيضا مع انطلاق رؤية 2030 ما وفر لدى البلدين فرصة استثمارية كبيرة وظهر ذلك جليًا في حجم التعاون الذي وصل إلى 460 مليار دولار في هذه الزيارة، ومنحت السعودية تراخيص لـ23 من كبرى الشركات الأمريكية للعمل في السعودية والاستفادة من تبادل الخبرات.

خلال السنوات الماضية قاد صندوق الاستثمارات العامة الاستثمارات السعودية داخل عديد من الشركات الأمريكية حتى وصلت إلى 27 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من 2024، وكانت أبرز الاستثمارات في شركات مثل "أوبر" و"لوسيد" و"إليكترونيك آرتس" وغيرهم وفقًا لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وعلى الجانب الآخر أصبحت الولايات المتحدة هي سادس أكبر مستثمر أجنبي في السعودية بنصيب 15.4 مليار دولار.

لم يقتصر التعاون بين البلدين على المجالات الاقتصادية والعسكرية فقط، فزيارة ترمب الأولى في 2017 شهدت أيضا توقيع رؤية مشتركة بين البلدين لرسم مسار مجدد يحقق السلام في منطقة الشرق الأوسط ويقدم حلولا سلمية لجميع القضايا الإقليمية والعالمية في القرن الـ21، وهو ما عدّه دبلوماسيون صمام أمان لعدم انزلاق العالم لمزيد من الصراعات المسلحة خاصة أن البلدين يتمتعان بثقل إقليمي وعالمي كبير ولديهم تاريخ طويل في حل المشكلات المعقدة.

وفي وضع عالمي أكثر تعقيدًا تتجدد الآمال مرة أخرى على القمة الأمريكية الخليجية التي ستعقد في الرياض خلال الساعات المقبلة، خاصة أن ما سبقها يشير إلى تحقيق مكاسب اقتصادية للجميع، سواء للسعودية التي أعلنت توسيع استثماراتها في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار، أو لأمريكا التي ستنفذ مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي بمساعدة دول الخليج، بجانب القضايا السياسية المطروحة على طاولة النقاش والتي تقود فيها السعودية جهود السلام، ولذلك لم يكن غريبا أن تكون السعودية أولى محطات "ترمب" الخارجية في ولايته الثانية، وبمعنى آخر قاله مايكل ميتشل المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية لـ"الاقتصادية": "الشراكة مع السعودية أساسية للنظام الإقليمي والدولي".

الأكثر قراءة