قوة الاقتصاد السعودي في متانة نشاطه غير النفطي
أظهرت أحدث وأبرز المؤشرات الاقتصادية والمالية السعودية حتى نهاية 2024، استقرار الأداء الاقتصادي الكلي على الرغم من التقلبات المتزايدة والمخاطر المتصاعدة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، التي يأتي على رأسها تحديات التجارة الدولية وتصاعد وتيرتها أخيرا من الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، إضافةً إلى استمرار التقلبات المرتبطة بالأوضاع الجيوسياسية، واتساع تأثيراتها العكسية على أغلب الاقتصادات والأسواق حول العالم. وقد أظهر الاقتصاد السعودي نمواً تفوّق به على أغلب التوقعات والتقديرات الدولية، وصل معدله الحقيقي وفقاً لأحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء إلى 1.3% بنهاية 2024، وكان قد تمكن بأسرع معدل للنمو خلال الربع الرابع من العام الماضي بنحو 4.4%، مدعوماً بنمو كل من الإنفاق الاستهلاكي والقطاع الخاص، وتماشياً مع مستهدفات رؤية 2030، التي دفع زخمها إلى نمو الأنشطة غير النفطية بمعدلٍ حقيقي وصل إلى 4.3% عن العام الماضي كاملاً (بلغ نموها الحقيقي خلال الربع الرابع من 2024 إلى 4.6%).
وتتسع دائرة المتانة والاستقرار الاقتصادي المتحقق خلال الفترة الماضية، والمتوقع استمرارها بمشيئة الله تعالى؛ لتشمل جميع نشاطات الاقتصاد في السعودية، انعكست على استقرار مستويات الأسعار والسيطرة على التضخم، الذي سجل استقراره عند 1.7% عن 2024 والذي يُعد من أدنى معدلات التضخم عالمياً، وفي الوقت الذي لا يزال ارتفاعه عند أعلى من مستهدفات البنوك المركزية حول العالم (2%)، يشكّل أحد أكبر التحديات الاقتصادية العالمية التي تواجهها السياسات النقدية لتلك البنوك. كما نجحت السياسات الاقتصادية الحصيفة محلياً في دفع معدل البطالة إلى مزيدٍ من التراجع، مقترباً إلى حدٍ بعيدٍ جداً من مستهدفه السابق لرؤية السعودية 2030 البالغ 7%، ليستقر مع نهاية الربع الثالث من العام الماضي عند 7.8%، ويتوقع أن يستمر في تراجعه بوتيرةٍ أكبر في الأجلين المتوسط والطويل وصولاً إلى مستهدفه الجديد الذي تم تحديده عند 5% أو أدنى منه قبل نهاية 2030، بالاعتماد الرئيس على فورة النمو الاقتصادي المحلي، الناتج بالدرجة الأولى عن اندفاع أغلب نشاطات الاقتصاد نحو التوسّع والنمو، بفضل استمرار الإصلاحات الهيكلية تحت مظلة رؤية السعودية 2030، وزيادة تدفقات الاستثمار المحلية والأجنبية تجاه كثير من الفرص الاستثمارية الواعدة، التي أوجدتها الإصلاحات والتحولات الاقتصادية العملاقة، وهو ما سيمنح الاقتصاد الوطني مزيداً من الرسوخ والمتانة في وجه التحديات الخارجية، ويمنحه قبل ذلك قدرةً أكبر على النمو بمعدلاتٍ أسرع من التقديرات خلال الفترة 2025-2026.
سيكون للقطاع الخاص الحصة الكبرى من النمو وزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا الكثير من المزايا التي تفرّد بها الاقتصاد السعودي؛ لعل من أهمها وأبرزها تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي، وتخفيف أي تأثيرات محتملة لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية على وجه الخصوص، وما هو أوسع منها نتيجةً لأي احتدام محتمل لصدامات التجارة العالمية، وهو ما تجلّت مؤشراته طوال الأعوام الأخيرة.
وبرزت إيجابياته بصورةٍ واضحة على أداء الاقتصاد الكلي، إضافةً إلى تعزيز قدرة القطاع الخاص على المضي قدماً في مسار توليد مزيد من فرص العمل المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة، وتجاوز المنجزات اللافتة التي مكنته من رفع أعداد العمالة المواطنة في القطاع الخاص إلى مستوياتٍ اقتربت من 2.5 مليون عامل مع نهاية العام الماضي، ويمكنه وفقاً للممكنات الراهنة ومع توافر الفرص الاستثمارية الواعدة والمحفزة بقوة الملاءة المالية للسعودية، أن تذهب صعوداً إلى أعلى مما تم إنجازه حتى تاريخه بمشيئة الله تعالى، والذي تجاوز على مستوى أغلب مؤشرات أداءه مستهدفات رؤية السعودية 2030.