لماذا لا نثق بأسواق الأسهم في وقت الحروب؟
حالة الفوضى في سوريا، واستخدام صواريخ جديدة بعيدة المدى بين أوكرانيا وروسيا، والنزاع بين لبنان وإسرائيل، واستمرار الحرب على غزة. هل تهدد هذه الحروب المتصاعدة في كل مكان سوق الأسهم الصاعدة العالمية؟ الجواب هو لا، وسأوضح لك السبب.
تحدث الأسواق الهابطة بطريقتين: الأولى: هي عندما تتغلب معنويات المستثمرين على "جدار القلق" وتصبح متفائلة بشكل مفرط، ما يؤدي إلى توقعات خيالية ومخاوف طفيفة تضعف سوق الأسهم. والثانية: هي عندما يتسبب حدث ضخم مفاجئ وسلبي في ركود عالمي، ويؤثر في السوق العالمية بقيمة تتجاوز 15 تريليون ريال سعودي أو أكثر.
وهذا هو الوضع مع الحروب الحالية. فهي تؤثر سلبًا في معنويات المستثمرين، ما يسهل صعود سوق الأسهم مستقبلاً. لكنها ليست ذات تأثير كبير يؤدي إلى خسائر ضخمة. ومع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من عامها الثالث، أصبحت الأخبار المتعلقة بها قديمة. أما الحرب على غزة التي بدأت في 2023، فقد قامت الأسواق العالمية بتقييم تكاليفها بالفعل وارتفعت بعد ذلك إلى مستويات قياسية.
نعم، تراجعت السوق المالية السعودية (تداول) قليلاً منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن أرامكو ازدهرت نتيجة المخاوف من نقص النفط، والتي ثبت عدم صحتها لاحقا. كما ارتفعت السوق المالية السعودية منذ بداية الحرب على غزة. بينما تعد الحرب مأساوية، إلا أن سوق المالية قاسية، فهي تقيس التكاليف الاقتصادية وتتجاوز الصراعات الإقليمية، التي معظم ما تكون صغيرة وليست كبيرة بما يكفي. على سبيل المثال، إجمالي الناتج المحلي لأوكرانيا يمثل فقط %0.16 من الناتج المحلي العالمي، وهي نسبة ضئيلة للغاية.
هناك عديد من الأمثلة التاريخية المشابهة. حرب كوريا، وحرب البوسنة في التسعينيات، والعراق بين عامي 1991 و2023، وسوريا في منتصف 2010، وروسيا في 2014، والعديد. لم يتسبب أيًا منها في سوق هابطة عالمية. كانت هناك بعض التقلبات عند بدء الحروب، لأن السوق المالية تكره عدم اليقين أكثر من الصراع نفسه.
فقط الحروب العالمية هي التي تسببت في أسواق هابطة. وبالرغم من قِصر تاريخ السوق المالية السعودية، إلا أن البيانات الأمريكية القديمة تشير إلى أن الحرب العالمية الأولى تسببت في سوق هابطة قوية. كما تظهر بيانات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر فاينانشال تايمز لجميع الأسهم، أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدى إلى سوق هابطة عنيفة. ولكن هذه الحروب هي التي تؤدي إلى خسائر ضخمة تكفي لتكون سببًا رئيسيًا لانهيار سوق الأسهم.
الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في فبراير 2022 جاءت في وقت مبكر من السوق الهابطة للأسهم العالمية، لكنها لم تكن السبب الرئيسي. فقد كان هناك في ذلك الوقت مخاوف من التضخم، واضطرابات في سلاسل التوريد بعد جائحة كوفيد-19، والرفع المفاجئ لأسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية العالمية، وأزمة الوقود في أوروبا التي سبقت الحرب، والمخاوف من الركود.
أثبتت الأسهم أن هذه المخاوف العديدة تسببت في سوق هابطة خفيفة وقصيرة وليس بالحرب نفسها. ومع ذلك، تسارعت الحرب الأوكرانية مع بداية السوق الصاعدة في 2022، وارتفعت الأسهم إلى مستويات أعلى حتى الآن، وتلك الحرب مستمرة.
وكذلك أيضا الحرب على غزة. تذبذبت قيمة الأسهم في البداية مع اندلاع الحرب وازدياد الشكوك، لكنها ارتفعت لاحقًا بعد وضوح النطاق المحدود للحرب. هذا الصراع يؤثر في شرائح صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي. كما كانت أزمة الوقود قصيرة، وارتفعت الأسواق بعدها.
تتحرك سوق الأسهم بشكلٍ كبير عندما يكون هناك فجوة بين الواقع والتوقعات. وتقلل الحروب الإقليمية من التوقعات، ما يخلق مفاجأة إيجابية عندما تتضح حدود الأوضاع. يمكن أن تتحرك أسعار النفط بالمثل - ولكن في الاتجاه المعاكس. على سبيل المثال، بلغ سعر خام برنت 87.86 دولار في 6 أكتوبر 2023، قبل بدء الحرب على غزة. والآن، انخفض إلى نحو 72 دولارا. بالكاد تأثرت قيمته حتى بعد سيطرة هيئة تحرير الشام أخيرا، ما يسلط الضوء على الحقائق الاقتصادية. إن إنتاج سوريا البالغ 40 ألف برميل يوميًا في 2023 هو رقم ضئيل في وعاء الإمدادات العالمية مقارنة بإنتاج السعودية الذي يبلغ 11.4 مليون برميل.
هذه السوق الصاعدة ليست خالية من المخاطر. لكن السنوات القليلة الماضية تثبت أنها بعيدة عن تقلبات القطاعات أو تذبذب الأسواق، لا يمكن للصراعات الإقليمية أن تتسبب في سوق هابطة.