كيف تستفيد أوروبا من ولاية ترمب الثانية
قرر الناخبون الأمريكيون منح الرئيس السابق دونالد ترمب فرصة ثانية. وبات لزاما على بقية العالم الآن أن يقبل هذا الواقع ويتكيف وفقا له. ينطبق هذا بشكل خاص على أوروبا، التي اعتمدت لفترة طويلة على المظلة الأمنية الأمريكية، وأخيرا على الوصول إلى سوق الولايات المتحدة الاستهلاكية الشاسعة. في حين يبدو الوضع في أوكرانيا كئيبا بائسا، فإن التوقعات أكثر تفاؤلا على الجبهة التجارية. فالاتحاد الأوروبي هو أكبر مُـصَـدِّر في العالم، حيث تمثل صادراته نحو 25% من ناتجه المحلي الإجمالي ــ وهي حصة أعلى كثيرا من حصة الولايات المتحدة. ولأن الولايات المتحدة أكبر سوق تصدير لمنتجات الكتلة، فإن عودة ترمب ــ "رجل التعريفات الجمركية" كما يعلن نفسه ــ تبدو أشبه بتهديد خطير.
السؤال الآن هو كيف ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستجيب لرسوم ترمب الجمركية المحتملة؟.
يشير التحليل الاقتصادي إلى أن الرد على الرسوم الجمركية برسوم جمركية ضرره أكثر من نفعه. الحجة المعتادة لتبني إستراتيجية العين بالعين هي أنها قد تردع الطرف الآخر عن بدء حرب تجارية في حين تشير إلى الصناعات المحلية بأن صناع السياسات سيدافعون عن مصالحها.
ينبع هوس ترمب بالرسوم الجمركية جزئيا من اعتقاده بأن أمريكا تخسر الأرض في التجارة العالمية لأن دولا أخرى تفرض رسوما جمركية أعلى كثيرا. ما إذا كانت الرسوم الجمركية الأمريكية أقل حقا من تلك التي يفرضها الاتحاد الأوروبي أو الصين أمرا قابلا للنقاش، لكن المهم هنا هو أن ترمب يتصور أن الرسوم الجمركية الأوروبية أعلى بنسبة 50% من نظيراتها الأمريكية. في حين تبدو عبارة "أعلى بنسبة 50%" درامية، فإن الفارق الفعلي هو بين متوسط معدل التعريفة الجمركية 3.5% في الولايات المتحدة و5% في الاتحاد الأوروبي. قبل فترة ليست ببعيدة، عندما كان صناع السياسات الأوروبيون والأمريكيون يتفاوضون على اتفاقية الاستثمار والتجارة الحرة عبر الأطلسي، لم تكن هذه الفجوة موضع خلاف حقا.
ونظرا لتأكيد ترمب على المعاملة بالمثل، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفكر في خفض بعض تعريفاته المتبقية. على وجه الخصوص، من الممكن أن يقترح صناع السياسات الأوروبيون خفض رسوم الاستيراد التي تبلغ 10% على السيارات، بما في ذلك المركبات الكهربائية، إلى التعريفة الجمركية التي تبلغ 2.5% التي تفرضها الولايات المتحدة ــ أو حتى إزالتها بالكامل.
باحتضان نهج يونكر الدبلوماسي، يصبح بوسع أوروبا أن تستفيد بالفعل من تعريفات ترمب الجمركية. الواقع أن خطة ترمب التي تقضي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على السلع الصينية و10-20% على دول أخرى قد تمنح المنتجين الأوروبيين ميزة تنافسية. وتتجلى هذه الديناميكية بالفعل في سوق السيارات الأمريكية، حيث تزدهر الشركات التي تتخذ من الاتحاد الأوروبي مقرا لها في حين اسـتُـبـعِـدَت المركبات الكهربائية الصينية فعليا بسبب الرسوم الجمركية الباهظة بنسبة 100% التي فرضها الرئيس جو بايدن.
لذا، يجب أن يكون الإبقاء على العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هادئة نسبيا على رأس أولويات صناع السياسات الأوروبيين على مدار السنوات الأربع المقبلة. بطبيعة الحال، ستكون هذه الجهود عقيمة إذا ما حذت دول أخرى حذو أمريكا. في ثلاثينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، تسببت الولايات المتحدة في تفاقم الكساد الأعظم بزيادة الرسوم الجمركية وإشعال شرارة حرب تجارية دفعت الاقتصاد العالمي إلى حالة من الانهيار.
لكن هذه المرة قد تكون مختلفة تماما. إذ يبدو أن معظم البلدان غير مهتمة بتبني نهج ترمب، الذي يتعارض مع مصالح عدد كبير من الاقتصادات الصغيرة المفتوحة التي تشكل العمود الفقري للتجارة العالمية. وعلى هذا فإن حرب الرسوم الجمركية التي يأمل ترمب في تصعيدها قد تظل شأنا صينيا أمريكيا. ولكن من المهم هنا أن نعلم أن التجارة بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من كونهما أكبر اقتصادين في العالم، تمثل جزءا ضئيلا من التجارة الدولية: إذ تبلغ واردات الولايات المتحدة من السلع الصينية نحو 500 مليار دولار أمريكي، وهذا يعادل 0.5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونحو 2% من التجارة العالمية.
وعلى هذا، فبدلا من التباكي على نهاية النظام الدولي القائم على القواعد، ينبغي لصناع السياسات في الاتحاد الأوروبي أن يركزوا على المهمة العملية المتمثلة في نزع فتيل التوترات التجارية مع الولايات المتحدة مع الإبقاء على الأسواق الأوروبية مفتوحة لبقية العالم.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.