الفرنك الإفريقي .. عملة "استعمارية" تغني فرنسا وتفقر إفريقيا 

الفرنك الإفريقي .. عملة "استعمارية" تغني فرنسا وتفقر إفريقيا 

أعادت تطورات الأحداث المتلاحقة في منطقة غرب إفريقيا النقاش بشأن الفرنك الإفريقي، العملة الفرنسية المفروضة منذ عقد الأربعينيات من القرن الماضي، على المستعمرات الإفريقية، بموجب مرسوم فرنسي، صدر في سبتمبر عام 1939، بالتزامن مع الحرب، يعتمد نظام صرف موحد في جميع دول الإمبراطورية الفرنسية.

بعد الاستقلال، أرغمت باريس "مجموعة الدول الفرنسية"، عام 1960، على استخدام عملة موحدة، تطبع في مصرف فرنسا المركزي، تعرف باسم "الفرنك" (CFA)، وهي اختصار لعبارة "المجتمع المالي الإفريقي". بهذا نجحت في بسط هيمنتها الاقتصادية على 15 دولة في القارة، تتوزع ما بين الوسط والغرب الإفريقيين.

تنقسم منطقة الفرنك إلى 3 اتحادات نقدية؛ الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا "UEMOA"، ويضم 8 دول (البنين وبوركينافاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال والتوغو)، والاتحاد النقدي لوسط إفريقيا "CEMAC"، وفي عضويته 6 دول (الكاميرون والكونغو والغابون وغينيا الاستوائية وتشاد وإفريقيا الوسطى)، ثم الاتحاد النقدي لجزر القمر. بمقتضى الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، تفرض باريس سيطرتها على إدارة الموارد المالية لدول منطقة الفرنك، وتعين استنادا إلى المادة 10 من النظام الأساسي عضوين من بين 16 عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي، يمتلكان حق النقض على أي تصويت تتخذه إدارة المجلس.

فضلا عن إلزام دول منطقة الفرنك بتسليم احتياطاتها النقدية إلى الخزينة الفرنسية ضمانا لاستقرار قيمة العملة، قبل إقدام باريس على مراجعة البند، عام 1973، بتخفيض نسبة الأصول الأجنبية في خزينتها إلى 65 %، ثم اكتفت ابتداء من 2005 بـ50 %.

مراجعات فرنسا لم تقف عند نسبة الأصول فقط، وإنما امتدت، غير مرة، إلى قيمة العملة، ما انعكس على سعر الصرف، فعملة الفرنك؛ سواء المتداول في وسط إفريقيا (XAF) أو في غرب إفريقيا (XOF)، في انخفاض مستمر.

فقد كانت القيمة، عام 1960، حين قدمت فرنسا فرنكها الجديد، محددا في فرنك فرنسي يساوي 0,02 فرنك إفريقي، بينما يتطلب يورو واحد اليوم 655 فرنكا إفريقيا، ومقابل دولار أمريكي واحد يجب دفع 606 فرنكات إفريقية.

أواخر 2019، أعلن إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي في أبيدجان، جملة إصلاحات بشأن العملة، تتمثل فيما يلي: أولا؛ التخلي عن الزامية الاحتفاظ 1/2 من الأصول لدى فرنسا، وثانيا، سحب التمثيل الفرنسي في مجلس إدارة البنك، وثالثا؛ تغيير اسم الفرنك ليصبح الإيكو "ECO"، في محاولة لتخليص العملة من أصولها الاستعمارية.

ربطت باريس التسمية بتجمع الإيكواس كي تعطي نفسا جديدا للهيمنة النقدية على إفريقيا، وتعمل على توسيع نطاق الفرنك/ الإيكو. لكن تلك المساعي ظلت محدودة التأثير، حسب ما تكشف عنه متغيرات الواقع في أكثر من دولة في هذا الاتحاد النقدي أو ذاك.

وكشف تقرير لصحفية لوفيغارو الفرنسية أن نطاق رفض العملة الاستعمارية في تزايد، فالقطيعة مع الفرنك الإفريقي كانت شعارا لحملة الرئيس السنغالي الحالي، باشير ديوما فاي، الذي يعده رمزا للسيادة الوطنية.

وتعزز الأمر بإعلان القادة الثلاث لكونفدرالية الساحل (مالي بوركينافاسو والنيجر) عزمهم على إطلاق عملة خاصة بالتحالف الوليد. فالعملة، حسب الرئيس النيجري، "مسألة سياسية قبل أن تكون اقتصادية. لسنوات عدة، كانت هناك رغبة في غرب إفريقيا للتحرر من الحقبة الاستعمارية التي تعد العملة جزءا منها".

وقبل ذلك كله، تشكل ثورة العملات الرقمية في منطقة غرب ووسط إفريقيا بدورها تهديدا مباشرا على الاستعمار النقدي الفرنسي، فدول إفريقية عديدة (نيجريا، إفريقيا الوسطى...) تسير بخطوات ثابتة نحو الاعتراف القانوني بهذه العملات.

يعد التخلي عن الفرنك الإفريقي، آخر أدوات التحكم الفرنسي بإفريقيا، إيذانا بأفول نجم فرنسا؛ القوة الدولة الكبرى، فقد سبق للرئيس الفرنسي الراحل، جاك شيراك، أن قال في لحظة صدق نادرة: "فرنسا نفسها ستكون هامشية من دون إفريقيا".

 

الأكثر قراءة