الاقتصاد يحدد مسار الانتخابات الأمريكية
يسعى خبراء الاقتصاد جاهدين للتوفيق بين وجهات نظرهم المتفائلة فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي والقلق الذي يشعر به الأمريكيون العاديون. إن المقاييس الرئيسة للأداء الاقتصادي، التي تتمثل في النمو، والبطالة، والتضخم تكاد تكون سليمة تماما، ما يضع الولايات المتحدة في موقف قوي تُحسد عليه. ولكن استباقا للانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر، لازال الناخبون يتحدثون عن الاقتصاد باعتباره مسألة ذات أولوية قصوى وتكمن مشكلته الرئيسة في التضخم.
وعندما استخدم كلمة "الأسعار" بدلا من التضخم، فإنني لا أبالغ في الدقة. إذ يصور التضخم التغيرات في إجمالي الأسعار، وهو ما يختلف كثيرا عن مستوى مؤشر الأسعار. ويؤثر هذا الاختلاف بصورة حاسمة في المناقشة السياسية قبل الانتخابات: يركز فريق الرئيس جو بايدن على معدل التضخم في حين أن الشعب الأمريكي معني أكثر بمستوى الأسعار.
وليس هناك جدل كبير بخصوص التقدم المحرز في مجال التضخم. فبعد ارتفاعه إلى أعلى مستوى له بعد الوباء بنسبة 9.1 % في يونيو 2022، تراجع معدل التضخم الإجمالي منذ ذلك الحين إلى متوسط 3.3 % مدى الأشهر الـ11 الماضية- وهو انخفاض أو "تراجع في التضخم" إلى مستويات غير عادية خلال هذه الفترة القصيرة. ومع ذلك، لا يزال التضخم أكثر من ضعف متوسط معدله البالغ 1.5 % على مدى الأعوام الـ7 التي سبقت فيروس كورونا، وهو أعلى بكثير من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المحدد في 2 %، وفقا لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي القائم على الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن هذا التعافي شبه الكامل من صدمة التضخم في الفترة 2021-2023 يتناقض تناقضا حادا مع مستوى الأسعار الذي لا يزال مرتفعا. وهنا تكمن المشكلة السياسية التي يواجهها بايدن: كما يُظهر الرسم البياني، مع أن مستويات التضخم تراجعت في الآونة الأخيرة، كان مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي في مايو أعلى تماما بنسبة 20 % من مستواه في يناير 2021، عندما تولى بايدن مهام منصبه.
منذ يناير 2021، واصلت مستويات الأسعار الارتفاع خاصة في مجال الطاقة (41 %)، والنقل (40 %)، والسكن (22 %)، والغذاء (21 %)، التي تمثل معا 63 % من سلة المستهلك الأمريكي النموذجية من السلع الاستهلاكية والخدمات. ويُطلق عليها اسم المشتريات الأساسية لسبب وجيه: لا تستطيع العائلات العيش بدونها.
ويشير تقدير تقريبي إلى أنه ابتداء من مايو، كان مستوى السعر الإجمالي، مقاسا بمؤشر أسعار المستهلكين الرئيس، أعلى بنحو 15 نقطة مئوية عما كان ليصبح عليه لو حافظ مؤشر أسعار المستهلكين على نسبته قبل كوفيد-19 المتمثلة في 1.5 %. ولا عجب أن يكون الأمريكيون متشائمين جدا بخصوص الاقتصاد. إن معدلات ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار الضروريات الأساسية، أعلى من معدلات هبوط التضخم. وحتى لو تراجع التضخم إلى مستويات أدنى، كما هو متوقع، فإن مستوى الأسعار سيظل مرتفعا على نحو مزعج وسيستمر في الارتفاع، ولو بوتيرة أبطأ.
ويبدو أن التناقض بين مستويات الأسعار المرتفعة والانخفاض الحاد في معدلات التضخم هو المشكلة الاقتصادية الرئيسة التي ستؤثر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. ففي الأوقات العادية، تناقش الحملات الانتخابية أيا من المرشحين يملك الحل الأفضل. ولسوء الحظ، لا نعيش حاليا في أوقات عادية. إن الوضع الحالي للسياسة الأمريكية يتطلب التركيز بقدر أكبر على تحديد الخطأ ومصدره.
فهل سيختار المرشحون الرؤية الإيجابية أم لعبة إلقاء اللوم السلبية؟ من سيقدم أكثر الحجج إقناعا؟ أتمنى لو كان بوسعي أن أكون أكثر تفاؤلا، ولكن يبدو أنه من غير المرجح أن نخوض في مناقشة متحضرة بخصوص الاقتصاد القائم على السياسات المنطقية. ونصيحتي هي أن نأمل في اتخاذهم للرؤية الإيجابية، ولكن علينا أن نكون مستعدين للعبة اللوم، والاعتراف في الوقت نفسه بالاختلاف الكبير بين مستويات التغيرات في الأسعار ومعدلاتها.
خاص بـ " الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.