صناديق الذهب فرصة لتعزيز الاستثمار في السعودية

منذ القدم عرف الذهب على أنه الملاذ الأمن للأفراد والحكومات، حيث يلجأ الأفراد لتحويل مدخراتهم إلى الذهب بهدف الحفاظ على قيمتها، كما تتجه الحكومات لتعزيز احتياطاتها من المعدن لمجابهة الأخطار المستقبلية، ولكن مع التطور الذي شهدته الأسواق المالية في الأعوام الأخيرة وظهور عديد من أدوات الاستثمار المتخصصة مثل الصناديق الاستثمارية المتدوالة، تحول المعدن الأصفر إلى سلعة قابلة للتدوال دون الحاجة إلى الاحتفاظ بها بشكل عيني، عملية الانتقال تلك مكنت مزيدا من الأفراد من المشاركة في السوق، حيث تتيح تلك الوسائل للأفراد أصحاب الملاءة المالية المنخفضة وغير القادرين على تملك الذهب بشكل مباشر الاستثمار عبر صناديق توفر منتجات تتلائم مع حجم مدخراتهم، ذلك النوع من الاستثمار ينعكس إيجابا على الاقتصاد، فبدلًا من الاحتفاظ بالذهب في صورة عينية وبالتالي عدم تحقيق قيمة مضافة للدولة، فعملية الاستثمار عبر الأدوات الاستثمارية تحقق الغاية حيث تسمح بتدفق الأموال في شريان الاقتصاد بجانب الاستفادة المباشرة لإيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المختلفة.
وبالانتقال إلى السعودية فإن الذهب يشكل أهمية كبيرة للمستهلكين، فوفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي فقد وصل إجمالي مشتريات المستهلكين السعوديين من الذهب خلال 2023 إلى نحو 52.3 طن وذلك مقارنة بـ50.1 طن في 2022 ونحو 44.2 طن في 2021، وقد استحوذت السعودية خلال 2023 على نحو 18.3% من إجمالي المشتريات في منطقة الشرق الأوسط، الطلب الكبير في السعودية تفسره عديد من العوامل يأتي في مقدمتها الاستخدام الشخصي بهدف الزينة إضافة إلى الشراء بهدف الإدخار والاستثمار، بجانب العوامل الخارجية مثل الطلب المرتفع من الزئراين خاصة من الحجاج.
ورغم حجم السوق الكبير إلا أنه عند النظر إلى صناديق الذهب في السعودية فهي محددوة للغاية، على سبيل المثال ووفقًا لمجلس الذهب العالمي فيوجد في السعودية صندوق واحد متدوال للذهب وذلك على الرغم من التطور الذي تشهده الصناعة على مستوى العالم، فقد وصل حجم الأصول تحت الإدارة التي تديرها صناديق الذهب المتدوالة في العالم بنهاية مايو 2024 إلى نحو 234 مليار دولار، وبالتالي فإن تهيئة البيئة الاستثمارية لإنشاء مزيد من الصناديق في السعودية سيسهم في زيادة تدفقات الاستثمار من الأفراد في الداخل إضافة إلى جذب المستثمرين من الخارج.
ورغم أن تجربة الصناديق المتخصصة في الذهب قد تكون غير معتادة في السعودية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام إلا أن عوامل نجاحها أصبحت متوافرة في السعودية، فالطفرة التي شهدتها سوق المال السعودية مع توالي الإدرجات والإقبال المتزايد من المواطنين على الاستثمار في الشركات المطروحة في البورصة تدعم نجاح التجربة، حجم الزخم الكبير من المستثمرين الأجانب أيضا على الاستثمار في السعودية سيؤدي إلى زيادة الإقبال على تلك الصناديق، تدعمها أيضا مزيد من الإجراءات التي تساعد على إنشاء وإدارة وتشغيل تلك الصناديق.
ويمكن عبر تبني مجموعة من الحوافز والسياسات تعظيم حجم الفوائد التي ستحصل عليها السعودية، على سبيل المثال بلغت تحويلات العاملين في السعودية خلال 2023 نحو 37.8 مليار دولار، ويمكن عبر تقديم مجموعة من الحوافز للعاملين في السعودية تشجعهم على الاستثمار في تلك الصناديق مثل تخفيض رسوم الإقامة للمرافقين أو غيرها من الحوافز أن يتم استهداف نسبة معينة من تلك التحويلات للاستثمار في تلك الصناديق وبالتالي تحقيق فوائد عدة منها ضخ مزيد من الأموال التي كان يتم تحوليها للخارج في شريان الاقتصاد السعودي وبالتالي تكون بمنزلة تدفقات استثمارية جديدة.
ختاما فإن التطور الذي تشهده البيئة الاستثمارية في السعودية يجعلها مهيئة بشكل قوي للعب دور عالمي في تدوال المعادن وليس الذهب فقط، وبالتالي فإن الاتجاه لتشجيع المستثمرين على تنويع أدوات الاستثمار والاتجاه لاعتماد أدوات جديدة إضافة إلى تشجيع الأفراد على الاستثمار سينعكس بصورة أساسية على الاقتصاد السعودي وسيسهم في إضافة موراد جديدة للخزينة العامة، الأمر الذي ينعكس في النهاية على تحقيق رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي