السعودية وغيوم الضغوط الاقتصادية
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، أظهر الاقتصاد السعودي قدرة ملحوظة على التكيف وامتصاص الضغوط الاقتصادية بفضل مجموعة من السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة في إطار رؤية 2030 والتدابير الاقتصادية الطارئة مع العالم الخارجي.
أحد هذه الأهداف الجوهرية هو تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات.
ووفقا للبيانات الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء؛ سجلت الأنشطة غير النفطية نموا بنسبة 3.4 ٪ على أساس سنوي، ما أسهم في رفع إجمالي الناتج المحلي بمقدار 1.66 نقطة مئوية وهذا النمو يبرز جهود الحكومة في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط، ويشير إلى تعزيز قطاعات، مثل: السياحة والصناعة والخدمات.
في نفس الوقت نمت الأنشطة الحكومية بنسبة 2 ٪ على أساس سنوي، ما يبرز دور الحكومة المتواصل في دعم الاقتصاد من خلال الإنفاق العام والمشايع الاستثمارية، رغم الضغوط الناتجة من ارتفاع تكلفة التمويل، وارتفعت حصة الأنشطة غير النفطية إلى 51.3 ٪ من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بــ48.2 ٪ في العام السابق، ما يظهر جودة الإدارة التنفيذية للخطط الاقتصادية في الرؤية.
من الجدير بالملاحظة أن حصة الأنشطة النفطية في الناتج المحلي الإجمالي انخفضت إلى 27.7 مقارنة بـ 30.6 ٪ في العام السابق، وإذا ما تفحصنا حجم النقد الموسع في الاقتصاد فإنه مستمر في النمو حيث بلغ 2.827 تريليون ريال رغم ضغوط سعر الفائدة المرتفعة أصلا، تلك المستويات المرتفعة من السيولة من أقوى المحفزات على النمو الاقتصادي حتى مع معدلات الفائدة المرتفعة وتبرز، أي السيولة المرتفعة، بقاء الاموال في الاقتصاد السعودي وسياساته النقدية الجاذبة.
واذا ما نظرنا إلى الضغوط الاقتصادية العالمية نكتشف أن هناك تنبؤات ضعيفة مع مستويات تضخم عنيدة حتى على الاقتصاديات المتقدمة، ما يجعل الاقتصاد الأمريكي والأوروبي يواصلون حالة التشديد النقدي، وفرص العودة إلى أسعار فائدة مريحة ستكون رحلة طويلة لا تقل عن 7 سنوات على أفضل سيناريو، لأن هناك تغيرات هيكلية في الأوضاع الاقتصادية الدولية ناتجة عن تداخل بين الاقتصاد الفعلي والتقلبات الجيوسياسية، إضافة إلى أن كثيرا من الدول تذهب فوائض ناتجها المحلي لخدمة الديون بسبب أوجه القصور في الإدارة الاقتصادية الداخلية أو الاستدانة المفرطة التي لا تراعي قدرات الدولة الاقتصادية.
في الختام: يقدم الاقتصاد السعودي نموذجا ناجحا في التكيف والنمو وسط الضغوط الاقتصادية شديدة التعقيد التي تحيط بالعالم والاقتصاد الإقليمي بفضل جودة الإدارة الاقتصادية وإستراتيجيات رؤية 2030 التي أسهمت في تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات وإصلاح جميع المنظومات ذات العلاقة بكفاءة المالية العامة والديون.
كما أن مشاركة السعودية الفاعلة في سياسات الطاقة العالمية كان له دور جوهري في اهتمام دول مجموعة G7 بالاقتصاد السعودي وقوته وتأثيره في الساحة الدولية، ما يعني أن نجاح السعودية الاقتصادي وصل لأهم دوائر صناعة القرار العالمي.