الصناعات الأساسية للتجارة العالمية تفاقم أزمة المياه والعبء الأكبر في دول الجنوب
عادة كانت التجارة العالمية قوة دافعة للتنمية الاقتصادية، ومع ذلك فإن النتيجة غير المقصودة لهذا النمو تفاقم انعدام الأمن المائي، خاصة في بلدان النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. الدول المتقدمة تستعين بمصادر خارجية للإنتاج في بلدان ذات عمالة وموارد أرخص، والنتيجة أن العبء البيئي لاستخدام المياه تتحمله البلدان النامية بشكل أساسي. وقال محللون لـ"الاقتصادية"، إن الصناعات الأساسية للتجارة العالمية مثل الزراعة والمنسوجات والمعادن تستهلك كميات كبيرة من المياه.
ولخفض التكاليف يتم تحويل الإنتاج الى بلدان الجنوب العالمي، حيث الأطر التنظيمية أضعف وينظر إلى المياه على أنها مورد وفير رغم أن هذا التصور مضلل في كثير من الأحيان، حيث تعاني كثير من بلدان الجنوب الإجهاد والفقر المائي، وهي مشكلة آخذة في التفاقم.
الدكتورة إلين جولدمان أستاذة الدراسات البيئية في جامعة باث تضرب مثلا ببنجلادش التي تعد أحد المراكز الرئيسة عالميا لصناعة الملابس، وتواجه مشكلات خطيرة تتعلق بتلوث المياه. وتقول لـ"الاقتصادية"، إن "صباغة وتشطيب المنسوجات تستهلك كثيرا من المياه، وعادة تصرف المواد الكيميائية في المجاري المائية المحلية، والتأثير التراكمي مدمر ويضر بصحة المجتمعات المحلية والنظم البيئية والزراعة".
وتضيف "بنجلادش تصدر 70 % من إنتاجها من الملابس إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ويؤثر تلوث أنهارها بشدة في الصحة العامة والقدرة على زراعة الغذاء، كما تستنزف المياه الجوفية، فالتقديرات تشير إلى أن قطاع النسيج يضخ مياها ملوثة تعادل 400 حمام سباحة أوليمبي سنويا".
لإنتاج زوج واحد من الجينز يمكن استخدام ما يصل الى 8 آلاف لتر من الماء، أما الحقيبة الجلدية فتطلب أكثر من 17 ألف لتر ماء. وإذا كانت التجارة في السلع كثيفة الاستهلاك للمياه دفعت النمو الاقتصادي، فإن تكلفة تنظيف مصادر المياه باهظة، فالصين تنفق مليارات الدولارات كل عام لتنظيف أنهارها وبحيراتها، ورغم ذلك تظل 70 % من مياهها غير صالحة للاستخدام البشري.
يحمل إس. دي. نيكول الاستشاري البيئي في الأمم المتحدة المسؤولية للدول المتقدمة. ويؤكد لـ"الاقتصادية" أن أكثر من نصف البصمة المائية للاتحاد الأوروبي -الطريقة التي يتم بها تقييم التأثير البيئي المحتمل المرتبط بالمياه- من جميع تجاراتها الخارجية تنشأ في المناطق التي تواجه ندرة متوسطة إلى حادة في المياه".
وأضاف "وفي سياق التغير المناخي فإن المنافسة بين الطلب المحلي والطلب التجاري على المياه في تلك المناطق سيصبح قضية أكثر تعقيدا، وحتى الآن لا توجد قواعد أو لوائح تجارية تقيد التلويث الظالم لمعالجة المياه".
إدارة المياه أمر معقد بسبب المفاضلات بين استخداماتها المختلفة، وخاصة بالنسبة للغذاء والطاقة فاستخدام المياه لتوليد الطاقة الكهرومائية أو لتبريد محطات توليد الطاقة يعني أن ما هو متاح للري أقل.
ومع تزايد الاستهلاك العالمي من المنتجات ظهرت مقايضة إضافية بالنسبة للبلدان التي تعاني الإجهاد المائي، فالصادرات التي تسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتجلب العملات الأجنبية لتغطية تكاليف الواردات والديون تهدد أيضا الأمن المائي المحلي.
الدكتور أن. ويستر أستاذ التجارة الدولية في جامعة غلاسكو يقول لـ"الاقتصادية" إن "تجارة المياه الافتراضية قد تمثل نحو 30 % من عمليات سحب المياه في جميع أنحاء العالم، ويحدث ذلك في كثير من المناطق التي تعاني الإجهاد المائي المتزايد".
وأكد أن في البلدان التي يكون فيها الاستثمار الأجنبي وتوفير فرص عمل أولوية، قد تفتقر حكوماتها إلى حافز لتنظيم المياه أو تسعيرها بشكل صحيح أو حتى فرض عقوبات على سوء استخدامها.